مقالة حول تكوين الدواوين والمجموعات الشعرية

مقالة حول تكوين الدواوين والمجموعات الشعرية

نتحدث في أيامنا هذه عن “مجموعة” شعرية جديدة أو عن “ديوان”، أو عن الأعمال “الكاملة” لشاعر

ما، دون أن نتبين أو نتساءل عن مسألة ترتيب الشعر العربي بين الأمس واليوم: هل يخضع جمع قصائد

بعينها في كتاب لترتيبات لاحقة على كتابتها، قبل دفع القصائد الى الطبع,أم أن تأليف القصائد يخضع

في منشئه الى خيار تأليفي، لا يلبث أن يجلوه ويؤكده الكتاب نفسه ، ومنذ العنوان؟ هل يسبق

الترتيب كتابة القصائد ويوجهها أم يأتي مثل تكريس أو تسمية لقصائد واقعة قبل اطلاق التسمية؟

ذلك أن اصدار المؤلف الشعري، أو “روايته” أو طبعه ، أو توزيع قصائده. أو وضع عنوان خاص به. أمور

قلما انتبه اليها النقد أوالتاريخ الشعري، مع أن التعرف اليها يفيدنا كثيرا – على ما سنرى في درس

الشعر، صنيعا وتصورا وتثبيتا لعمل شعري ما. فماذا عن بدايات تجميع الشعر العربي في كتب

ومجموعات منفصلة؟ وكيف نخلص الى “الديوان” المفرد بعد الديوان “التام”؟ أهناك علاقات تلازم تكويني بين القصيدة ( في عنوانها في موضوعها) وبين ما يكون عليه خروجها في كتاب؟

1- “جمع” الشعر

لو عدنا الى المصادر العربية لوجدنا صعوبات في التعرف على الهيئات الأولى لتجميع الشعر القديم بين روايته وتدوينه ، وما نجده لا يمثل عمل الشعراء أنفسهم على شعرهم ، بل ما خلفه لنا الرواة والجامعون عنه. ولو عدنا الى المتوافر من مجموعات الشعر العربي الأقدم لوجدنا أن ما وصلنا منها لا يوفر لنا في أحوال عديدة مدونات الرواة أو الجامعين الأوائل ، بل مدونات لاحقة ترقى خصوصا الى عمل المصنفين في القرنين الثالث والرابع الهجريين. وما نعرفه عن شعر امريء القيس وحسان بن ثابت وعمر بن أبي ربيعة والمتنبي هو ما أبتاه لنا جامعون ورواة ، ولا تصل نهاية سلسلة الاسناد في الروايات المختلفة الى الشاعر نفسه في أغلب الأحوال. إلا أن هاتين الصعوبتين لا تعدمان ، مع ذلك سبيل البحث ، وان تجعلانا نقيم في ميدان للدرس غير أكيد المعالم ، خصوصا في مرحلة ما قبل التدوين.

لن نجد الشعر، في أخباره أو في مدوناته ، إلا في عمل رواته ، بوصفهم جامعين له بعد أن كانوا منشأين له ، وذلك في “كتب” و”أشعار” و”دواوين” ، حسب التسميات التي وصلتنا عن أعمالهم. ولقد عمل عدد من الدارسين ، من كارل بروكلمان الى ناصر الدين الأسد وغيرهما، على التحقق من مجموعات الشعر العربي في مراحل تدوينه أو تقييده الأول. وتوصلوا ، ولاسيما الأسد، الى التحقق من أن الرواة _ الجامعين الأوائل في القرن الهجري الثاني عملوا على ترتيب كتبهم بدءا من كتب ومدونات توافرت لهم ، بالاضافة الى ما حفظوه من. هذا الشعر شفاها، ويوجه الأسد أن بعض الشعر الجاهلي “كتب في صحائف متفرقة أو في دواوين مجموعة منذ عهد مبكر جدا، وربما كتب بعضه منذ العصر الجاهلي”(1)وأن بعض هذه المدونات بلغ علماء الطبقة الأولى من الرواة ، واعتمدوها مصدرا من مصادر تدوينهم لهذه الكتب التي رواها عنهم تلامذتهم. وان هؤلاء العلماء الرواة في القرن الهجري الثاني كانوا يعودون ، هم وتلامذتهم الى نسخ مكتوبة من هذا الكتب في مجالس علمهم وحلقات دروسهم ، وأن رواية هذه الكتب التي بين. أيدينا – حين يكون الكتاب مسندا – تنتهي الى أحد هؤلاء العلماء من رواة الطبقة الأولى أو الى أحد تلاميذهم ,ثم تقف عندهم ولا تتجاوزهم.

هكذا نعرف،على سبيل المثال ، أن الوليد بن يزيد طمع في جمع “ديوان العرب ” فاستدعى، على ما تقول المرويات ، حماد الراوية وجناد بن واصل واستعار منهما كتبا ودواوين كانت في حرزتهما، منها كتابا ثقيف وقريش في الشعر, و”ديوان العرب” وجزء من شعر الأنصار، عند حماد الرواية. كما نعرف أيضا أن المفضل الضبي اختار قصائدا عن دواوين وكتب كانت في حوزتهم كذلك. وهناك أخبار أخرى تفيد كلها و تؤكد ما سبق أن قلناه وهو أن جامعي الشعر الأوائل عملوا على مدونات سابقة عليهم ، وتعود في بعضها أن مرحلة ما قبل الاسلام.

معلوماتنا عن فترة ما قيل التدوين، وعن تدوين الشعر في مجموعات أولى ، تبقى محدودة على أية حال. ولا تمكنتا كفاية عن التعرف المقرب والمدقق على العمليات هذه.إلا أننا لا نجد صعوبة ، فيما بلغنا عن أخيار ،التأكد عن أن الشعر عرف، هو مثل غيره ، وضعية آولى، شفوية ، جرى فيها تناقل الشعر عبر الألسن أو عبر رواة متمرسين (كثير عزة راوية جميل بثينة ، وجميل راوية هدبة بن خشرم ، وهدبة راوية الحطيئة، والحطيئة راوية زهير، حسبما ورد في “الأغاني”). ونتحقق في هذه الوضعية من دور مخصوص للشعر هو، دور “الالقاء”، اذا جاز القول ، في لقاء، أو مناسبة ، أو حفل عام ، على أنه شكل وجود الشعر. وشكل تبادله في الجماعات أيضا، وتصاحبه تقاليد حفظ ورواية من منشدين ورواة ،هم الصيغة الأولى لناشري الشعر ومروجيه.

وما لبث الشعر أن عرف وضعية أخرى، تدوينية ، بعد “تعريب الدواوين” في العهد الأموي، وبعد انتشار الورق في مطالع العهد العباسي ، جرى فيها قيد الشعر في كتب ودواوين في صورة فريدة. ونتحقق في هذه الوضعية كذلك من أن الشعر لم يفارق دوره التخاطبي، إلا أن أوجه تبادله باتت تتعين أيضا في صيغ مادية يتم فيها التعرف عليه والتفاضل فيه ونقده وتثمينه سواء في البلاط والمجالس ، أو في حلقات الشعراء والعلماء والدارسين.

واذا كانت المعلوهات عن مرحلة التدوين الأول قليلة ، فإننا نفوز بعد ذلك بمعلومات أثمن وأوسع وأدق ، نتحقق فيها من انتشار تقاليد جمع الشعر في كتب بينة الترتيب. وهو ما يدعو الأسد الى القول “الدواوين كانت موجودة – مكتوبة مدونة- في القرن الثاني الهجري، أي من نهاية الربع الأول من القرن الثاني على التقريب الى مطلع القرن الثالث ،وهي الحقبة التي كان يحيا فيها هؤلاء العلماء الرواة من رجال الطبقة الأولى ، ويلغ فيها نشاطهم ذروته”(2). وهذا يعني واقعا. أن جمع الشعر في مجموعات يرقى الى القرن الهجري الأول. إذ عاد هؤلاء الرواة أن كتب سابقة عليهم. ونحن نعرف أن عددا من خلفاء بني أمية ، منذ معاوية بن أبي سفيان ، سعوا الى جمع الشعر وغيره أيضا من متبقيات العهد القديم في الجزيرة ، مثل “اللغات” و”الأخبار” و “الأنساب ” وغيرها، في مجموعات ونتسأل: هل نجد في مساعي خلفاء بني أمية هذه طلبا لتأكيد “عربيتهم” في الوقت الذي كانت تمتزج فيه سلوكياتهم وتدابيرهم بغبرها من السجلات والمرجعيات الأخرى (البيزنطية، الفارسية. القبطية…” و أخذهم عنها؟: وهل يمكن وضع عمليات التجميع في سياق تقاليد أخرى تأكدت في الدولة الأموية ، وهي تأسيس تقاليد “ثبوتية ” وسلطانية بالتالي ، من صك العملة لأول مرة في التاريخ الاسلامي الى ضبط قواعد عمل “الدواوين” بعد تعريبها. غير ذلك؟

نخلص من هذا الى القول أن أشكال جمع الشعر. أو التعرف على وجوده في التبادل بين الجماعات ، بقيت منفصلة عن الشاعر، وتحكم بها وسطاء غيره ، ما يكشف عن خططهم هم في المقام الأول, لا عن خططه هو في تقديم شعره، وقد يكشف أحيانا عن تلاعبهم بنتاجه وتحكمهم في.تصريفه و”نحله” ربما: ففي غير رواية عن الرواة نتحقق من كون بعضهم كانوا يجتمعون أحيانا لمقارنة ما بلغهم من الأشعار والأخبار فيصححونها وينقدونها ويعدلونها بالتالي. أي أن الوسطاء سعوا الى تقديم شعر الشعراء، والى شرحه بعد وقت. دون أن نتبين صلات بين.مقاصد الشعراء في قول الشعر وبين مقاصد الرواة في تجميعه. أو أن مقاصدهما ليست متطابقة على أية حال. أين ينتهي عمل الشاعر، وأين يبدأ عمل الراوي هل يقوم دور الراوي على النقل فقط ، وعلى حفظ ما قام بتسجيله في الذاكرة أو في مدونة؟ هل ينتهي عمل الشاعر بعد وضع قصيدته ، بل بعد إلقائها؟ هذا يصح من دون شك في شعر المدائح ، وربما الهجاء. ولكن ماذا نقول عن شعر الوصف أو الطرديات أو الغزل وغيرها؟ كيف كان يتم تناقلها وتداولها؟ ما فعل المتنبي، على سبيل المثال ، بعد أن وضع قصيدة “الحمى” وبعد أن حفظها في مدونة خاصة به؟ هل أخذها عنه بعض النساخ أم سمعها البعض الآخر؟ وكيف وصلت الى ابن جنى وأبي بكر الصولي لكي يدرجاها في “ديوان المتنبي؟

يمكننا أن نسوق أسئلة عديدة من دون أن نحظي بأجوبة أكيدة دوما، مكتفين في غالب الأحوال بالتخمينات والترجيحات ، ولو كانت المعلومات متوافرة لكانت أفادتنا من دون شك في التعرف على كيفيات تداول الشعر، وعلى المغازي المطلوبة من تدوينه ، وعلى مقاصد الشاعر خصوصا في جمع شعره وترتيبه وغيرها. وقد نحظي أحيانا بمعلومة ثمينة تتحدث على سبيل المثال ، عن إقدام أبي فراس الحمداني ( 320- 356هـ) على جمع شعره وترتيبه في ديوان قبل وفاته بنفسه ، إلا أننا لا نقوى على تثمين هذه المعلومة ، ولا على وضعها في سياق تفسيري طالما أننا نفتقر الى غيرها وقد نعلم على سبيل المثال أن أبا نواس راجع شعره ونقحا وحذف بعضا (على ما يقول ابن رشيق في “العمدة”)، فهل يعني أنه هو الذي عمم أو نشر مدونات عن شعره “أجازها” بنفسه؟ لا نستطيع التقدم في هذا المجال ذلك أن ما وصلنا من شعر العديد من الشعراء، من أمثال ابن الرومي والبحتري وأبي تمام وابن المعتز وغيرهم ، لا يمثل صنيعهم أو تدبيرهم بل هو ثمرة العمل الذي قام به أبوبكر الصولي (-735هـ) تحديدا، بعد أن جمع المتفرق من قصائدهم ونقحها وشرحها.

باختصار ، نجد في عمل الجامعين والشراع مدونة عما ستكون عليه لاحقا كتب الشاعر، إلا أنها هيئة طباعية ليس إلا، أي لا نتبين في المادة المجموعة ما يدل عن خطة في الجمع وضعها الشاعر نفسه ، وتفيد مطلوبنا، وهو التعرف على “تكوين” القصائد. وما كانت بالتالي لفكرة الجمع فائدة تكوينية بل حفظية.

لذلك نقول أن دراستنا لما بلغنا من الشعر العربي في عهوده الأولى خصوصا، من وجهة نظر “تكوينية” تضيء خصوصا عمل الجامعين ، لا عمل الشعراء، وان أقاموا، مثل الحمداني وغيره ، على جمع شعرهم وترتيبه بأنفسهم فى لقد توصلنا بعد دراسة عدد من المدونات الشعرية التي بلغتنا الى التمييز بين عدد منها، وهي المحفوظ الجاهلي ، الجمع المتفرق المنتخب المعلل والجمع الأوفى.
1- أ- المحفوظ الجاهلي

يمكننا الحديث طبعا عن مدونات مختلفة جرى فيها جمع الشعر فوق حوامل مادية بعد تناقلها عبر الألسن والرواة ، إلا أننا لا نقوى على وضع ترتيب تاريخي تتابعي لصدور هذه المدونات المختلفة ، وان كنا نعتمد في عرضنا هذا سبيلا يكشف عن ميلنا الى ترجيح التتابع المذكور، وما نقوى على تأكيده ، بداية ، هو التمييز بين مرحلتين ، تتوزع فيهما المدونات المختلفة: مرحلة أولى قامت على جمع متبقيات الشعر الجاهلي ، في مجموعات تضم شعر الفحول أو شعر القبائل أو منتخبات شعرية منه ومرحلة ثانية قامت على جمع شعر العهود اللاحقة ، وعلى اختيار منتخبات معللة منه ، من جهة ، وعلى اعادة جمع أوفى للشعر الجاهلي ، من جهة ثانية. فماذا عن الجمع في المرحلة الأولى؟

لا يمكننا الحديث عن جمع الشعر في هذه المرحلة إلا في صيغه تناقله الشفاهي, في المجالس والمحافل والطقوس ، وعبر الرواة وربما في مدونات مادية خاصة ببعض الشعر الذي ميزته القبائل عن غيره ، والحامل من دون شك لمفاخرها وأيامها. ففي أخبار الجاهلية. كما في أشعارها ، أحاديث واشارات عن الكتب والتحبير والتنميق ، وعن الشعر نفسه ، وعن التباهي به بالاضافة الى أشكال التكسب الأولى (النابغة الذبياني عند النعمان بن المنذر، آخر ملوك الحيرة )، وغيرها مما يكشف عن “حياة” شعرية ناشطة ، لم تسلم من تدوين ربما، وان ظلت رواية الشعر وتناقله عبر الألسن الشكل الاجتماعي لتداوله. فاذا كانت المعلومات تفيد عن “كتب” شعرية متوافرة منذ الجاهلية في الجزيرة العربية ، فهذه الكتب تخص شعر القبائل من دون شك ، من دون أن تشتمل بالضرورة على مجمل شعر هذه القبيلة أو تلك ، فهذه الحاجة قد لا تكون مطلوبة في زمن المنازعات القبلية ، بل المطلوب هو التباهي والفخار ورفع أناشيد الجماعة في ماضيها وانتصاراتها (وهو ما يبدو بينا في مدة – عمرو بن كلثوم )، وهو ما يوفره بعض الشعر في كل قبيلة ، لا كله بالضرورة الى هذا فإن فعل الكتابة كان مخصصا في ذلك العهد ، على ما هو معروف ، الى أفعال جليلة وسامية ، مثل العهود وغيرها، فيصعب والحالة هذه تخيل إمكان تدوين شعر كل قبيلة في “كتاب”، بل مختارات منه على الأرجح. الى ذلك يمكننا القول أن جمع الشعر كاملا أو تاما يقتني وجود سعي في الاحاطة ، في التوضيب ، لا نتبينها في حاجات ذلك العهد، وفي غير مجال من مجالاته. إلا أن كلامنا هذا لا يعني أبدا في حسابنا أن جمع بعض شعر الشعراء، أو بعض قصائدهم ربما، لم يكن ميسرا أو مطلوبا في ذلك الوقت ، ولاسيما مع التنافسات في “سوق عكاظ” وغيرها ، كيف لا ونحن نجد في بعض الأخبار ما يفيد عن وجود بعض الشعر مدونا منذ العهد الجاهلي ، إذ يقول ابن سلام الجمحي:”وقد كان عند النعمان بن المنذر ) 580- 602م) منه ديوان فيه أشعار الفحول ، وما مدح هو وأهل بيته به ، فصار ذلك الى بني مروان أو صار منه”(3) كما يحدثنا كذلك عن “كتاب كتبه يوسف بن سعد صاحبنا منذ أكثر من مئة سنة”(4).

واللافت في هذا العهد هو الحديث عن دور “الراوية” نفسه ، حيث إنه لم يكن ناقلا وحسب ، ولا وسيطا فقط ، وانما كان شاعرا “مبتدئا” إذ جاز القول ، يتمرس بكتابة الشعر وبالتعلم على فنونه ، تابعا أحد الشعراء أو عددا منهم ، على ما نعرفه من سير عدد من شعراء ما قبل الاسلام. ويشد انتباهنا في ذلك قول الجاحظ ، وتسميته للشعراء الفحول بـ “الشعراء الرواة”(5). وهذا ما نتأكد منه لو عدنا الى سلسلة الشعراء الرواة , فقد كان زهير بن أبي سلمى راوية أرس بن حجر وتلميذه ، ثم صار زهير أستاذا لابنه كعب وللخطيئة ثم جاء هدية بن خشرم الشاعر وتتلمذ للحطيئة وصار واويته ، ثم تتلمذ جميل بن معمر العذري لهدية وروى شعر, وكان أخر من اجتمع له الشعر والرواية كثيرا، تلميذ جميل وراويته. وماذا عن شعر القبائل وعما أصاب بعضها بعد أن جرى انتخابه وتمييزه عن غيره ، وبعد أن تم حفظه ونقله جيلا بعد جيل ، مثل قصيدة عمرو بن كلثوم التي عظمها أهل قبيلته حتى صارت معرض نقد وهجاء؟ فقد جاء في شعر بكر بن وائل:

ألهى بني تغلب عن كل مكرمة قصيدة قالهاعمرو بن كثوم

يروونها أبدا مذ كان أولهم ياللرجال لشعر غير مسئوم

تبقى معلوماتنا قليلة وضعيفة السند عن شعر الجاهلية ، ولعل بعضه وصل مدونا على حوامل مادية الى عدد من الرواة في القرن الهجري الأول. حسبما يرجح الأسد، إلا أن أكثر هذا الشعر وصل من دون شك عبر سلاسل الرواة.

1- ب – الجمع المتفرق

تقليد الرواة لم ينقطع مع مجيء الاسلام ، بل ازداد بفعل عوامل عديدة ، منها حاجة التفسير القرآني لمادة الشعر الجاهلي نفسها، على ما نعرفه عن ابن عباس ، “ترجمان القرآن”. وأول المفسرين ، وهو أنه ما كان يفسر آية قرآنية دون الاحتكام الى الشعر الجاهلي ، كما أن حفظ الشعر كان السبيل أيضا الى تعلمه والتمرس به: هذا ما تحققنا منه في سيرة عدد من الشعراء الجاهليين ، وهو ما سنعرفه مع الاسلام ، منذ عهوده الأولى ، بدليل أن شعراء عديدين في القرن الهجري الأول ، مثل الفرزدق وجرير والطرماح وذي الرمة وغيرهم ، ما انقطعوا عن رواية الشعر، فأفادهم حفظه في تمثله وتقليده ونقد رواياته أحيانا.

فنحن نعرف أن ابن متربة كان راوية الفرزدق ، والحسين راوية جرير، والسائب بن ذكران راوية كثير عزة ، ومحمد بن سهل راوية الكميت بن زيد الأسدي، وانه كان للأحوص راويته، ولذي الرمة راويته. وتفيد الأخبار أنه كان للفرزدق غير راوية ، كما يرد في هذا الخبر عن أحد أقرباء الفرزدق: “فجئت الفرزدق (…) ودخلت على رواته فوجدتهم يعدلون ما انحرف من شعره ، فأخذت من شعره ما أردت (…)، ثم أتيت جريرا (…)وجئت رواته وهم يقومون ما انحرف من شعره وما فيه من السناد، فأخذت ما اردت “(7) والفرزدق ، حسبما نعلم روى كثيرا من أشعار وأخبار امريء القيس حتى أن بعضها متصل الاسناد حتى الجاهلية نفسها. هو الذي قال فيه الجاحظ إنه “راوية الناس وشاعرهم وصاحب أخبارهم”(8).

غير أن الاستمرار في هذا التقليد لا يغيب ، أو لا يخفي، حقيقة النقلة الواسعة التي شهدها توالي العهود الاسلامية ، وتمثل في تبلور حاجات ناشئة ، تطلبتها الحياة الجديدة ، كما سهلها وقواها اتصال العرب بالورق والوراقة في مطالع العهد العباسي. وهي حاجات متباينة إلا أنها تلتقي كلها على بناء “مرجعية الفصحى”، وعنوانها العام إعادة جمع الشعر الجاهلي ،شعر الفحول والقبائل. فما الحاجات هذه؟

هي حاجات متعاظمة لحفظ الشعر وتوابعه ومتعلقاته من أخبار العرب وأنسابها ، سواء لأغراض السمر والثقافة العامة ، على ما نعرف من عادات معاوية ، أو لتأديب الأولاد به ، بعد أن ولدوا وترعرعوا بعيدا عن بيئات آبائهم وأجدادهم في الجزيرة. ففي المظان أخبار عديدة تفيد عن تعلق بني أمية بالمرويات القديمة ، منها ما قاله الأصمعي: “كانوا ربما اختلفوا وهم بالشام في بيت من الشعر، أو خبر، أو يوم من أيام العرب ، فيبردون فيه بريدا الى العراق”(9). وقال عبدالرحمن بن محمد بن الأشعث ( 84هـ): “قدم عبدالملك – وكان يحب الشعر – فبعثت الى الرواة ، فما أتت علي سنة حتى رويت الشاهد والمثل وفضولا بعد ذلك “(10).. وعناية عبدالملك بالشعر معروفة ، ولاسيما في تربية أولاده ، إذ وردت عنه أخبار تؤكد على طلبه رواية الشعر في التأديب ، ومنها قوله: “روهم الشعر، روهم الشعر، يمجدوا وينجدوا”. وفي الأخبار أيضا أنه كان لمعاوية رواة يرتبون له الأشعار والأحاديث ، وأنه كانت له مجالس ينشد هو فيها ما حفظه من شعر ويستنشأ الرواة والعلماء والشعراء. ونتحقق في الأخبار هذه من أنهم كانوا يحفظون الشعر ويتناقلونه ويدعون الى تعليمه في القرن الهجري الأول.

كما لبى حفظ الشعر، أو استدعته حاجات أخرى واقعة في الدين أو في العلوم اللغوية ، لتفسير القرآن الكريم ، ولاسيما لأقوام غير عربية أو للاستناد اليه في دراسة العلوم اللغوية المختلفة ، من “نوادر” و”غريب” وغيرها. وهو ما ننتبه اليه في نقد بعض العلماء لجمع الأصمعي ، إذ لاحظوا أنه لا يشتمل على الكثير من الغريب والنادر. يقول ابن النديم. “وعمل الأصمعي قطعة كبيرة من أشعار العرب ليست بالمرضية عند العلماء لقلة غريبها واختصار روايتها”(11).

فنحن ننتبه. منذ القرن الهجري الثاني، الى انصراف أعداد من العلماء الى جمع مواد واسعة في غير مجال ، كان الشعر واسطتها وعلامتها، واشتملت على مشافهات وعمليات جمع في البادية ، فأتت متفرقة ومختلطة أحيانا، كما في كتاب “النوادر” لأبي زيد الأنصاري، وأتت مبوبة ومصنفة أحيانا أخرى. وماذا عن جمع الشعر ضمن العملية هذه؟ يقول ابن سلام الجمحي:”وكان أول من جمع أشعار العرب وساق أحاديثها: حماد الراوية”(12). وفي كتابه ما يفيد دوما عن دور “اهل العلم ” الذين باتوا يفحصون كل ما يردهم من روايات وأخبار وأحاديث وأشعار. ولقد ذكر ثعلب عن أبي عمرو الشيباني أنه “دخل البادية ومعه دستيجتان من حبر فما خرج حتى أفناهما بكتب سماعه من العرب “(13). ولقد وجدنا في أعمال الجمع الأولى سعيا الى توضيب “مرجعية الفصحى” كما أسميناها، واتخذ التوضيب أشكالا ثلاثة: “انتخاب” أشعار فاخرة لأغراض مختلفة في التأديب والسمر، جمع متفرق لشعر القبائل ولشعر الفحول.

1- ب – 1: “انتخاب” الشعر الجاهلي

ولعلنا نجد في أخبار بني أمية المعلومات الأولى عن مساعي بينة في جمع الشعر، بل في تصنيفه وتمييز الاجود من الجيد فيه ،بل في انتخاب قصائد منه على أنه “أفضل” هذا الشعر. فهناك روايات مختلفة عن أسباب جمع ما جرت تسميته لاحقا بـ” المعلقات”، بل عن أسباب اختيارها، وردت في كتاب فيفور، “المنظوم والمنثور” نقلا عن الحرمازي التي نسبها الى غيره: ففي رواية أولى ، أن من جمعها هو عبدالملك بن مروان. “ولم يكن في الجاهلية من جمعها قط”،وفي رواية ثانية ، أن معاوية هو الذي دعا الى جمعها، لكي يرويها ابنه. وتختلف الروايات كذلك في عدد القصائد: ففي الرواية الاول (عن عبدالملك بن مروان) القصائد سبع ، وهي التالية: عمرو بن كلثوم والحارث بن حلزة وسويد بن أبي كاهل (بسطت رابعة الحبل لنا ) وأبو ذؤيب (أمن المنون وريبها تتوجع ) وعبيد بن الابرص (أإن تبدلت من أهلها وحوشا) وعنترة (يا دار عبلة بالجواء تكلمي) ، وقصيدة أرس بن مغراء (محمد خير من يمشي على قدم )، وفي الرواية الثانية (عن معاوية ) أن مجموعها اثنتا عشرة قصيدة.

نتبين في هاتين الروايتين المختلفتين ، بعيدا عن دقتهما ، أن العمل الذي قام به هذا الخليفة أو ذاك عمل تجميعي لكنه لا لايخلو من انتقاء: كيف لا وعدد القصائد مختلف بين الروايتين ، كما أن الرواية الأولى تفيدنا أن سليمان بن عبدالملك بن مروان هو الذي أدخل قصيدة أرس بن عفراء (محمد خير من يمشي علي قدم ) في المجموع. ولا يخفى عن بالنا أن الرواية الثانية تتحدث عن عمل تربوي مطلوب من جمع هذه القصائد وتخيرها، وهو تربية ابن الخليفة. أللتقاليد الأموية هذه تأثيرات على ما قام به وسعى اليه الجامعون ، أم أن مساعي الجامعين أنفسهم هي التي دعت خلفاء بني أمية الى الاستعانة بهم والطلب اليهم صنع مدونات مماثلة لما يفعلون ، أو مغايرة ، مما يلبي رغبات سلطانية في المقام الأول؟

لا نقوى طبعا على تقديم إجابة ناجزة عن السؤال ، ذلك أن الحاجات هذه ما وقعت في مجال واحد لكي نحكم الأسباب فيما بينها، عدا أن الحاجات استجابت الى دواع مختلفة ، وتتعدى فيما صدرت عنه قرارات حاكم أو عالم ، لتطاول أمورا عديدة ، واقعة في البلاط ، أو في حلقات المساجد، أو في عمل المجالس. ما يمكننا قوله هو أننا نشهد، الى جانب العادات الأموية المذكورة ، قيام عدد من الرواة مثل الأصمعي وحماد الراوية والمفضل الضبي وغيرهم بجمع أعمال شعرية ، لشعراء أو لقبائل.

الجمع هو المطلوب ، وان لم يبن “على أساس معلوم في اختياره “كما يقول الأسد”(14) عما جمعه المفضل الضبي في “المفضليات” والأصمعي في “الأصمعيات”. ذلك أن الواعز اليها، بالاضافة الى نقد الواصل من روايات الشعر الجاهلي ، يميل الى الاحاطة والتمام ، أي ما يبلغ الجامع من شعر جاهلي ، بعد نقده والتحقق منه طبعا. ونتحقق في عمل الجامعين هؤلاء من أنهم سعوا الى “توسعة” دائرة الجمع ، وتنافسوا في ذلك ، فالمفضل بن محمد بن يعلي الضبي ( 164هـ، أو 168، أو 170)، وهو “منافس” حماد الراوية ، حسب عبارة بروكلمان ومعاصره، وضع مختارات أوسع أو أغزر من مختارات حماد الراوية ، غير أن التنافس هذا لم يسلم دوما من عمل “اختياري”، يتم فيه انتقاء أفضل الشعر، أو أنفسه ، أو أجوده ، ولاسيما عندما يتم الأمر تلبية لرغبة سلطانية: فلقد اختار الضبي، على ما هو معروف للخليفة محمد المهدي 126 أو 126 قصيدة ، وبينها مجموعة من المقطوعات ، لسبعة وسبعين شاعرا، وسمى مجموعته في الأصل “كتاب الاختيارات” وسميت بعد ذلك نسبة الى جامعها “المفضليات”.

وهو ما يظهره لنا أبو القالي فيما جرى بين الضبي والأصمعي كذلك. قال أبو علي القالي: “وقال أبو الحسن علي بن سليمان: حدثني أبو جعفر محمد بن الليث الأصفهاني قال: أملى علينا أبوعكرمة الضبي المفضليات من أولها الى أخرها، وذكر أن المفضل أخرج منها ثمانين قصيدة للمهدي، وقرئت بعد على الأصمعي فصارت مئة وعشرين. قال أبو الحسن: أخبرنا أبو العباس ثعلب: أن أبا العالية الانطاكي والسدري وعافية بن شبيب – وكلهم بصريون من أصحاب الأصمعي. أخبروه أنهم قرأوا عليه المفضليات ، ثم استقرأوا الشعر فأخذوا من كل شاعر خيار شعره ، وضموه الى المفضليات ، وسألوه عما فيه مما أشكل عليهم من معاني الشعر وغريبه فكثرت جدا”(15) لا يمكننا أن نتوصل الى صورة دقيقة عن حقيقة جمع الشعر، بعد انتشار الورق والكتابة ، غير أننا نتوصل الى تعيين مسعيين مختلفين وغير متناقضين بالضرورة في عمل الجامعين والمصنفين والشارحين ، وهما السعي الى الاحاطة والجمع الأشمل ، وهذا يصح ، ربما، في شعر القبائل أكثر منه في شعر الشعراء، والسعي الى اختيار الشعر “الأنفس”، والأفضل. ومنشأ هذا الأمر نجده في الحاجات المختلفة التي لباها جمع الشعر: منها ما طلب في التنافس بين القبائل ، ومنها ما تم جمعه لارضاء الخليفة ، ومنها ما جرى جمعه لاعتبارات لغوية – دراسية ، ومنها لاعتبارات واقعة في نقد الشعر وتثمينه ، أي فرز الأجود من الجيد في مواده.

1- ب – 2: شعر القبائل

اذا كانت الاختيارات الشعرية خضعت لاجتهادات أكيدة ، فإن عمل الجامعين عند جمع شعر القبائل ما تقيد بهذه الحسابات الذوقية ، بل استجاب لمقتضيات في الجمع “التام”، اذا أمكن ، واذا ما توافرت مواده. وعلينا أن نشير في هذا السياق الى أن فكرة جمع شعر قبيلة بعينها أمر سابق على حماد الراوية ، بدليل أنه عاد الى “كتاب ثقيف” و”كتاب تريش “. وهما موضوعان عليه. ولقد سعى الجامعون في اتجاهين: جمع شعر القبائل ، وجمع شعر الشعراء الفحول. فماذا عن شعر القبائل؟

هذا ما نجد جوابا بينا عنه فيما قام به عدد من الجامعين: فلقد جمع أبو سعيد العسكري، على ما ذكر ابن النديم ، 28ديوانا من دواوين القبائل ، وصنع أبو عمرو الشيباني ديوان بني تغلب ، وديوان بني محارب ، وذكر عنه ابنه أنه جمع أشعار فيف وثمانين قبيلة ، وكل قبيلة في كتاب مستقل ،وعمن عملوا في صنع مجموعات القبائل أيضا: أبو عبيدة المعمر بن المثنى، الذي جمع أشعار القبائل في كتب عديدة ، والأصمعي بعض شعر القبائل ، وحماد الراوية (156هـ)، والمفضل الضبي (168 أو 178هـ) وخالد بن كلثوم الكلبي، ومحمد بن حبيب وغيرهم.

المعلومات عن شعر القبائل عديدة ، وتثبت كلها اتساع العمل في جمع هذا الشعر، حتى أن ابن قتيبة قال: “ولا أحسب أحدا من علمائنا استغرق شعر قبيلة حتى لم يفته من تلك القبيلة شاعر إلا عرفه ، ولا قصيدة إلا رواها”(16). وهو ما نتبينه في قول للآمدي يشرح لنا فيه عودته الى ستين ايوانا لستين قبيلة عاد اليها عند وضع كتابه ، وهو يتحقق في الوقت عينه من عدم اشتمال الدواوين هذه ، على الرغم من سعتها، على شعر شعراء، وجدهم في متون أخرى، وهو ما يؤكد قولا سبقهم اليه محمد بن سلام الجمحي في قوله: “ما انتهى اليكم مما قالته العرب إلا أقله ، ولو جاءكم وافرا لجاءكم علم وشعر كثير”(17).

واللافت في أمر هذه الكتب هو أنها ما كانت تحمل في عنوانها تسمية “الديوان”، بل غيرها، إذ أطلقوا عليها تسميات كهذه: “أشعار بني فلان ” ، أو شعر بني فلان “، أو “كتاب بني فلان “. على ما ورد عن أسماء كتبهم في كتاب “المؤتلف والمختلف ” للآمدي. ويشتمل كتاب القبيلة ، على شعر القبيلة أو بعضه ، وأخبار وقصص وأحاديث ، وفيه النسب كذلك. وتفيدنا الأخبار أن الجاسبين الأ وائل ، مثل الأصمعي وحماد وأبي عبيدة معمر ابن المثنى وغيرهم ، عملوا على شعر القبائل. ويلخص الأسد الى ترجيح أن “هذه الدواوين كانت مدونة في القرن الأول نفسه”(18). لم يصلنا من هذا المجموع الهائل سوى كتاب واحد، هو ديوان هزيل ، ينتهى الأسد بعد دراسته الى القول: “أن ما بين ايدينا من شعر هزيل غير كامل”(19).

1- ب – 3: شعر الفحول:

كما تفيدنا الأخبار ، والمجموعات التي بلغتنا من الشعر الجاهلي ، أن الجامعين الأوائل ، مثل الأصمعي عملوا على جمع شعر امريء القيس وغيره، وهو ما يمكن أن نتحقق منه لو عدنا الى الروايات التي بلغتنا عن شعر امريء القيس: أول ما وصلنا من الروايات الست عشرة لديوان امريء القيس ، في الروايات البصرية ، هي رواية الأصمعي الكاملة وأخرى ناقصة لأبي عبيدة ، وهي رواية واحدة أو روايتان متقاربتان ، وأول ما وصلنا من الروايات الكوفية رواية المفضل بن محمد الضبي (168هـ)، وجاءت عبر تلميذيه: أبو عمرو اسحاق بن مرار الشيباني (206هـ) وأبو عبدالله محمد بن زياد الأعرابي ( 231هـ)، وحفظها لنا أبو الحسن علي بن عبدالله بن سنان العلوسي( 250هـ) يتحقق الأسد من الروايات كلها التي بلغتنا عن شعر امريء القيس ويرى أن المصدرين الأساسيين والأولين لها هما: رواية الأصمعي البصري ورواية المفضل الكوفي ، ويرى كذلك أن رواية الأصمعي معروفة الأصل: يقول أبوحاتم: “قال الأصمعي. كل شيء في أيدينا من شعر امريء القيس فهو عن حماد الراوية ، إلا نتفا سمعتها من الأعراب وأبي عمرو بن العلاء”(20). ويتحقق الأسد من أن رواية الأصمعي تعتمد بعض الشيء على صحائف متفرقة أو دواوين مجموعة كانت عند هذين العالمين (حماد الراوية وأبو عمرو بن العلاء) ، وربما وصلتهما من العصور السابقة عليهما، فضلا عن اعتمادهما على السماع والرواية الشفهية. أما المفضل الضبي فيبدو كذلك أن روايته متصلة بالمدونات التي وصلت اليه من العصور السابقة.

لا يمكن أن نتأكد من حال المدونات التي بلغت الأصمعي والمفضل ، أو الرواة قبلها، وصولا الى “الجامع الأول” لها. ولقد قام عملهما على نقد وتحقيق ونخل وتمحيص ما بلغهما من قصائد، وما استقياه من المصادر التي عملوا عليها، دون أن يبلغنا ما يفيدنا عن اختياراتهم هذه ، وأرجح الظن أنهما كانا يجمعان أوسع ما يصلهم من شعر شاعر، بعد التحقق منه ويقول الأعلم عن “رواية الأصمعي: “واعتمدت فيما جلبته من هذه الأشعار على أصح رواياتها، وأوضح طرقاتها، وهي رواية عبدالملك بن قريب الأصمعي، لتواطؤ الناس عليها واعتيادهم لها، واتفاق الجمهور على تفضيلها ، واتبعت ما صح من رواياته قصائد متخيرة من رواية غيره “(21).

وقد وصلنا الى الوقوف عند أسباب جمع بعض الدواوين المفردة ، وهي أسباب تجمع شعر الشاعر في تمامه ، أو في جيده الخالص. ويذهب بروكلمان في التفسير منحى يجعله يقول إن توصل الجامعين الى جمع شعر شاعر قد يعود الى توافر شعره ليس إلا: “اختار قدامي الدباء ستة من شعراء الجاهلية ، جعلوهم في المرتبة الأولى من التفوق والشهرة. ولعلهم فضلوهم على غيرهم لأنهم هم الذين أمكنهم أن يجمعوا لهم دواوين أطول واكمل”(22).

1-ج -:المنتخب المعلل

وما نريد الخلوص اليه هو أن جحيم الشعر في مجموعات طالبة للتمام والاحاطة (من دون أن تكون تامة ، لا محيطة بمجموع شعره بالضرورة ) ، في شعر شاعر أو في قبيلة ، يرقى،على ما نظن ونرجح ، الى العهد الأموي، والى تأكد مقام الراوي- الجامع وتكرسه ، وهو ما يظهر في جلاء في مساعي حماد الراوية والأصمعي والمفضل الضبي وغيرهم.

وما يعنينا في هذا المجال هو الوقوف عند نقلة ثانية ، بعد الجمع المتفرق للشعر الجاهلي بأشكاله المختلفة ، وهي الانتقال الى تصنيف شعر ما بعد الجاهلية ، الذي خضع لحسابات شعرية في المقام الأول ، والى صراعات بين الشعراء، والى فنون ناشئة في التمايز أو “الموازنة”. إلا أن علينا أن نوضح ، بداية أنه ما كان للعمليات هذه أن تتأكد إلا بعد أن توافرت أعداد كبيرة من مواد الشعر القديم ، ومن شعر المحدثين كذلك. ذلك أن عمليات جمع الشعر ما توقفت أبدا وتكدست المجموعات في الخزانات بدليل أن أبا تمام (231هـ) وجد أمامه في همذان «خزانة كتب »، لا كتابا أو كتابين ، عندما قرر وضع كتاب “الحماسة”. فالكتاب هذا في حساب العديدين هو أقدم المختارات الشعرية المرتبة على (معاني الشعر). والكتاب ينقسم الى خمسة كتب ، أشهرها كتاب “الحماسة” ، وهو عنوان غلب على هذا الكتاب عند المتأخرين تسمية له بأول أبوابه. ويربط كارل بروكلمان بين هذه المختارات وبين استحسان العباسيين للقصائد القصيرة ، إذ استحسنوها “واكتفوا بتذوق القطع المختارة”(23). إلا أن هذا الذوق ما كان له أن ينصرف الى عمليات الانتقاء والتخير إلا بعد تكدس الشعر المجموع في الخزانات ، من دون شك. كيف لا والأخبار تفيدنا ، قبل أبي تمام ، أن المفضل الضبي ترك بين يدي ابراهيم بن عبدالله

(نحو145هـ) “قمطرين فيهما أشعار وأخبار”.

أما “الحماسة” لأبي تمام فقد بني اختيارها على أبواب المعاني: باب الحماسة

، أول الأبواب وأكبرها، باب المراثي ، باب الأدب ، باب النسيب ، باب للهجاء،

باب للأضياف والمديح ، باب للصفات ، باب للسير والناعس ،

باب للملح ، باب لمذمة النساء. ولا يهمنا في هذا السياق ما إذا كانت الأبواب موفقة أو مبنية في صورة

محكمة أم لا، ما يعنينا أن أبا تمام سعى الى التصنيف والترتيب ، وهما لا يقعان في عملية الجمع

وحسب ، بل في تصور الشعر كذلك. صنع أبو تمام مختاراته ، على ما سنوضح أدناه ، من غير كتاب بعد

أن توافرت له مدونات الشعر، لا رواياته ، واستخرج منها بالتالي ما يناسب ذوقه الشعري،

وهو ما نعرفه من المرزوقي ، شارح “الحماسة” الذي استعاد هذا الخطاب بعد مائتي سنة على وفاة

أبي تمام يقول المرزوقي شارح الحماسة: “وهذا الرجل (أي أبو تمام ) لم يعمد من الشعراء الى

المشتهرين منهم دون الاغفال ولا من الشعر الى المتردد في الأفواه، المجيب لكل داع ، فكان أمره

أقرب ، بل اعتسف في دواوين الشعراء جاهليهم ومخضرمهم واسلاميهم ومولدهم ، واختطف منها

الأرواح دون الأشباح ، واخترن الأثمار دون الأكمام ، وجمع ما يوافق نظمه ويخالفه ، لأن ضروب الاختيار

لم تخف عليه ، وطرق الاحسان والاستحسان لم تستر عنه ، حتى إنك ترده ينتهي الى البيت الجيد في

لفظة تشينه ، فيجبر نقيصته من عنده ، ويبدل الكلمة بأختها في نقده ، وهذا يبن لمن رجع الى

دواوينهم فقابل ما في اختياره بها”(24).

و” اختيارات ” أبي تمام ، لم تقتصر على الكتاب المذكور فقط ، بل شملت غيره: الحماسة الصفوى.،

وهو مبوب مثل الكتاب السابق ويسمى أيضا “الوحشيات” و”فحول الشعراء”، وهو مجموعة من

الأشعار لشعراء جاهليين واسلاميين ، مرتبة حسب الموضوعات و”مختار أشعار القبائل.. ويتضح من

عناوين الكتب هذه أن الشاعر أقدم على الانتقاء، بل على جمع الشعراء الجاهليين بالاسلاميين ،

وهو ما قام به عدد من الجامعين قبله ، ولكن في فطاقات محدودة للغاية.

ولقد حاول البحتري ( 284هـ) محاكاة صنيع أبي تمام ، فاتخذ سبيلا مختلفا ، وأكثر من الأبواب

(174بابا). وكانت الوحدة المعتمدة في الاختيار عند أبي تمام والبحتري هي في الغالب المقطوعة أو

عدد من أبيات مختارة من قصيدة طويلة ، وفي هذا يختلفان عن معاصر لهما، ابن أبي طاهر طيفور،

صاحب كتاب “المنظوم والمنثور”، الذي اعتمد فيه تمييز النظم والنثر على درجتين:

المفرد في الاحسان والمشارك بعضه بعضا في الاحسان. ويفسر احسان عباس هذا السبيل في

الاختيار بقوله: “ولذلك رأى بعض المشتغلين بالشعر ممن لا يقفون موقف العداء من الشعر المحدث أن

يبرز وه للناس بعمل مختارات منه ، فكانت من ذلك كتب الاختيار التي ظهرت في ذلك القرن “

(أي القرن الثالث الهجري) (25). ويذكر منها: كتاب “البارع “لأبي عبدالله هارون بن علي ،

وهو في اختيار شعر المحدثين ، و” كتاب اختيار الشعراء الكبير” الذي أتم منه شعر بشار وأبي

العتاهية ، وأبي نواس ، ولأحمد بن طيفور عدد من كتب الاختيار: شعر بكر بن النطاح ،

ودعبل ، ومسلم ، والعتابى ، ومنصور النمري، وابي العتاهيه وبشار وغيرهم (26) ،

وللمبرد كتاب “الروضه “، الذي اختار فيه شعر المحدثين وصنف السكري كتاب “أخبار اللصوص »، وجمع فيه أشعار لصوص البدو المشهورين.

فبعد الجمع المتفرق ، مثلما تحققنا منه مع حماد والأصمعي والمفضل الضبي وغيرهم ،

نشهد في مدى القرن الهجري الثالث أعمال جمع مختلفة ، مع أبي تمام وغيره ،

تقوم على انتقاء النفيس من الشعر، وفي مقطوعات قصيرة في الغالب.

ومن هذه المنتخبات أيضا كتاب “جمهرة أشعار العرب “

لأبي زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي الذي يقوم على مسعى بين في الفرز،

إذ قسم أشعار العرب الى أقسام وفقا لحسابات واقعة في الجودة والنفاسة.

وهو ما ينقله المفضل بن عبدالله المجبري عن القرشي: ،أقال المفضل:

فهذه التسع والأربعون قصيدة عيون أشعار العرب في الجاهلية والاسلام ،

وأنفس شعر كل رجل منهم “(27).

ولقد جمعت “جمهرة أشعار العرب ” في أواخر المئة الثالثة للهجرة ،

وهي مجموعة سباعية تشتمل على سبعة أقسام ، أولها المعلقات السبع ،

وتحمل الأقسام الستة الباقية العناوين التالية: المجمهرات ، المنتقيات ، المذهبات ،

المراثي، المشوبات ، الملحمات ،

وسبق ذلك كله مقدمة في المجازات واختلاف العلماء في تفضيل بعض مشاهير الشعراء.

انقطع الشعراء عن الجمع بالتالي ، وانصرفوا الى اختيارات في متن بات متوافرا ، وهو ما نلتمسه في

صورة أبين فيما قام به طيفور نفسه ، الذي قام باختيارات على أساس “المفرد» أي “ما ليس لأحد

مثله “، مثل قصيدة “أمن آل نعم..” لعمر بن أبي ربيعة ، على سبيل المثال ، أو مثل قصيدة جراد العون

النميري (ذكرت الصبا فانهلت العين تذرف ) لأنها أدمن الشعر المقدم في الغزل الذي لا نعرف له مثلا

في جاهلية ولا إسلام ». وهو ما نعرفه عنه حينما انقطع أياما عن مجلس أبي الحسن علي بن هارون

المنجم فلما عاد اليه أخبره أنه كان متشاغلا في اختيار شعر امريء القيس فقال له أبو الحسن بن

المنجم:” أما تستحي من هذا القول وأي مرذول في شعر امريء القيس حتى نحتاج الى اختياره

“(28).

1- الجمح الأوفي

كيف لنا أن نتحدث عن عمليات جمع أوفى بعد ما سقنا القول أعلاه عن عمليات انتخاب وانتقاء؟

وكيف للجمن أن يأتي بعد الانتخاب؟ السؤال منطقي وبديهي، دون شك ، إلا أنه لا يتبين واقع هذه

العمليات تماما، وهو أنها عرفت في كيفيات متداخلة عمليات الجمع وعمليات الانتخاب.

ومع ذلك فإننا لا نخفي ميلنا أو ترجيحنا، وهو أن عمليات الجمع اتبعت مساقا نجده في تتابع العمليات

التي عرضناها أعلاه ، وهو ماحققه سبيل عرضنا. وضمن هذا المنظور أيضا نرجح حصول عمليات لاحقة

، وتتعلق بها كذلك ، وهي عمليات الجمع الأوفى. وكان لنا أن نسميها كذلك عمليات التصنيف والترتيب

كذلك. فنحن نشهد في عمل عدد من الجامعين ، مثل أبي بكر الصولي خصوصا، وفي مجموعات

الشعراء المفردين تحديدا، سعيا بينا في تجميع أوسع الشعر، بعد فحصه ونقد رواياته وفي تصنيفه

وفق مداخل بعينها، وقد أجملناها في ثلاثة:

– الترتيب الهجائي: رتب أبوبكر الصولي ديوان ابن الرومي على حروف الهجاء. وهو ما فعله في

ديواني البحتري وأبي تمام (192- 231هـ) كذلك. وترتيب الشعر على أساس حروف الهجاء اعتمده

كذلك ابن جني (392هـ) في ترتيب ديوان المتنبي.(303-354هـ).

– الترتيب على أساس الاغراض: أما علي بن حمزة الاصفهاني (المتوفى في بداية القرن الرابع

الهجري) فرتب ديوان البحتري على أساس الأغراض الشعرية ، وديوان أبي تمام على أبواب مختلفة

من أغراض الشعر: وجمع أبو القاسم هبة الله بن الحسين الاسطرلابي (534هـ) شعر ابن الحجاج (291هـ) في مئة وعشرين بابا.

– الترتيب الزمني: يشتمل ديوان الشريف الرضي (359-406هـ) على أشعاره في كل سنة بين 374- 405هـ.

2- من الديوان الى الكتاب

نخلص من هذا العرض الى القول: ان معرفتنا بجمع الشعر، وبعمليات ترتيبه ، تبقى مرهونة بمدى قدرتنا على معرفة تاريخ التدوين في العربية القديمة ، بمدى توصلنا كذلك الى معرفة أنماط التأليف نفسها، أي الخلوص (أو عدم الخلوص ) الى فكرة “الكتاب “: أهو جمع مواد متفرقة أم هو تأليف مخصوص في موضوع أو مسألة بعينها؟ لكننا نستطيع القول أيضا: أن الهيئات المختلفة في جمع الشعر، بين جمع متفرق بعد تنقيح وحذف ، وبين اختيارات منتخبة ، سواء للشعراء أو للمجموعات القبلية أو لفئات بعينها من الشعراء مثل المحدثين وغيرهم ، عرفت أشكالا ترتيبية توصلنا الى فرزها في ثلاثة أنماط. جمع الشعر على أساس الأغراض ، وعلى أساس الترتيب الأبجدي للقوا في ، وعلى أساس الترتيب الزمني لوضعها.

ونخلص كذلك الى القول أن عمل الشاعر متصل بعمل الراوي في فعورة محكمة. فهو حافظ الشعر، وناقله الينا بالتالي ، وهو ما نتأكد منه فيما بلغنا من شعر الشعراء، حيث أنها خضعت في ترتيبها الى ما قرره الرواة ، وبعدهم الجامعون أنفسهم. وهذا يعني أننا لا نجد في الهيئات المادية المتوافرة من هذا الشعر ما يدلنا إلا في صور محدودة (على ما سنوضح أدناه ) على مقاصد تكوينية طلبها الشاعر في تقديم شعره.

إلا أن دور الراوي، ومن بعده الجامع العالم ، لا يقتصر على الحفظ فقط. بل يشمل أيضا تعديل القصيدة وربما تنقيحها، على ما بلغنا من أخبار بعض الرواة الذين أعملوا أيديهم في التنقيح والحذف وتصحيح للإسناد في القوافي وغيرها. وتبدو دواوين بعض الشعراء، في التصحيحات والتدقيقات التي يجريها عليها الرواة ، مثل دواوين الشعراء الفرنسيين ، على سبيل المثال ، بعد وفاتهم أي تبدو حافلة بمعلومات وتدقيقات هي من مواد أية دراسة “تكوينية “. فعمل بعض الجامعين على نقد الروايات التي أوصلت الينا هذه الأشعار يشكل مساهمة مفيدة في تدقيق “تكوينها”، ورفض الطاريء “المقحم ” عليها والمنحول منها، إلا أن المساهمات هذه ظلت دون ما تطلبه شروط الدراسة التكوينية. فصنائع الشعراء والرواة ظلت مقيدة بفكرة الديوان “الحافظ ” للشعر، لا المساهم في تكوينه وانتاجه. فالراوي يقوم عمله على جمع الشعر، وعلى حفظه من التفرق والتشتت ، وعلى إيصاله الينا في صورة سليمة ومطابقة (مع بعض التعديل والتنقيح والحذف ) لما قاله الشاعر في مدى حياته ، دون أن يوفر لنا جمع هذا الشعر في تتابع قصائده ما يفيد عن تعالقات بين قصائده أو عن أسباب تكوينية تخص مجموعات من القصائد مع بعضها البعض ومن دون غيرها. فالديوان لا يحتفظ ، إلا فيما ندر، بترتيب زمني لوضع القصائد، مثلما فعل الشريف الرضي، والا لكان الترتيب أفادنا في تتبع التصور الشعري عند الشاعر. أما الفائدة معدومة اذا ما تم توزيع القصائد حسب الترتيب الأبجدي للقوا في. الديوان بمعناه القديم حافظ ، لا يفيد في ترتيبه ، إلا فيما ندر، عن تكوين هذا الشعر: هو مجموع سيرة الشاعر وسجله “الثبوتي” ولكن هل كان في تصورات الشعر، أو في وقائعه، ما يساعد على وجود تعالقات بين القصائد ، فيأتي تقديم الشعر في مدونة ليظهرها ويجلوها؟

لا في غالب الأحوال ، ذلك أن الشاعر ما كان يكتب نتاجا متتابعا، أو مقطعا في مراحل ، وانما كان يضع قصائد، في ” مناسبات ” أو أحوال خصوصية ، وان كان يرجع أحيانا الى ما كتبه هو أو غيره من أشعار في هذا الموضوع أو ذاك. نقع في أشعار العديد من الشعراء على “سرقات ” أو “معارضات ” أو تناولات ، مشابهة لما سبق أن قالوه أو قاله غيرهم ، إلا أن هذه الأسباب التي ترسم تعالقات بين القصيدة والقصيدة في نتاج الشاعر نفسه أو مع غيره لا تؤدي ، وما أدت في واقع الحال ، الى بروز حاجة الى جمعها مع بعضها دون غيرها.

فالهيئة المادية التي يخلص اليها الشعر، أي الديوان الحافظ ، وأشكاله الترتيبية الثلاثة (ترتيب القوافي أبجديا، الترتيب الزمني وترتيب الموضوعات ) سنجدها في توالي عمليات جمع الشعر وتصنيفه في العصور الأدبية اللاحقة. وذلك حتى القرن التاسع عشر، على الرغم من دخول الطباعة (على الحجر، بداية ، وغيرها) الى الولايات العربية وانتشار الكتب فيها، ومنها الشعرية ، على نطاق أوسع مما كان عليه في عهد الوراقة. فما نقول عن دواوين العصر الذي دخلت فيه الطباعة ، بعد عهد مديد من الوراقة؟ هل تغيرت أشكال جمع الشعر في مدونات عما كانت علمه؟

العودة الى الدواوين المطبوعة في مدى القرن التاسع عشر ليست بالميسرة أبدا، عدا أن نشرها من جديد قد لا يحافظ على الهيئة الأولى للجمن ، مثلما تحققنا من ذلك في “ديوان البارودي” على سبيل المثال. وما يخفف من حجم المشكلة هذه هو أن در استنا لا تستدعي، أو لا تطلب في بعض الأحيان سوى الوقوف عند عناوين كتب الشعر ليس إلا. ما يعنينا في المقام الأول قادرون على العثور عليه – أي الوقوف على “ترتيب ” الأعمال الشعرية ووضعها في دواوين أو كتب شعرية مفردة ومستقلة – في مراجعة عدد من تراجم شعراء هذا القرن ، أوفي “معجم المطبوعات العربية والمعربة » الذي وضعه يوسف آليان سركيس ، وصدر في طبعته الأولى في العام 1928، واشتمل على «ثبت شامل لأسماء الكتب المطبوعة في الأقطار الشرقية والغربية مع ذكر أسماء مؤلفيها ولمحة من ترجمتهم وذلك من يوم ظهور الطباعة الى نهاية السنة الهجرية 1339 الموافقة للسنة 1919 ميلادية “، حسب العنوان الفرعي للكتاب(29).

ولقد اعتمدنا أيضا على ترا جم موضوعة بعد وفاة هؤلاء الشعراء في غالب الأحيان (30 )، ما يقدم لنا شهادات نقدية متزامنة للتجارب الشعرية نفسها، أو على فبذات تعريفية موضوعة ، هي الأخرى، في سنوات غير بعيدة عن الفترة التي ندرسها، والعودة الى المراجع هذه تفيدنا في صورة مزدوجة ، في التعرف على هؤلاء الشعراء في صورة موثقة (خاصة وأن دواوين بعضهم أعيد طبعها دون أن تحتفظ في أحيان كثيرة بصيغتها الطباعية الأولى ، واللازمة لنا)، وتفيدنا في كونها مدونات نقدية مزامنة للكتب نفسها، ما يعد قراءة نقدية أولى لها تساعدنا في الوقوف على وعي الحداثة لنفسها في فترتها التاريخية.

2- أ: على نسق القدماء

قبل أن نتناول الكتب الشعرية بالدرس ، ونفرزها إذا جاز القول وفق مرادنا البحثي، وجدنا ضرورة لتبين مسألة أولى ، ملازمة بل تمهيدية ، وهي معرفة ما إذا كان الشاعر هو الذي جمع ديوانه بنفسه ، أم قام بذلك غيره ، وما إذا جمع شعره في فتاب في حياته أم قبل سنوات على وفاته. ففي الاجابة عن هذه الأسئلة وغيرها نتوصل الى معرفة بل الى تعيين معلم أساسي في عملية الترتيب الشعري فقد يكتفي الشاعر بالقاء قصائده في مناسبة ، في حفل على سبيل المثال ، على أن فعل الالقاء هذا يعين في الحساب الشعري والنقدي وضع الشعر قيد التداول ، وقد لا يكتفي بذلك ، مع توافر الطباعة وذيوع النشر، بل يسعى الى جمع مجموعة من القصائد في كتاب منفصل ووضعها قيد التداول.

ولو عدنا الى المجموعات الشعرية الأولى ، المطبوعة في القرن التاسع عشر، لوجدنا أنها لم تبصر النور إلا بعد انصراف بعضهم ، من أقرباء الشاعر أو أصدقائه ، الى تجميعها وتنقيحها ودفعها الى الطبع ، مثلما فعل سليم ناصف في سنة 1898، حين جمع شعر بطرس كرامة ( 1774 – 1851) وطبعه في “المطبعة الأدبية ». هذا ماقام به ابن الشاعر محمد الشهال الطرابلسي (1892) ، الذي جمع شعر أبيه في “عقد اللال من نظم الشهال » (طرابلس 1312هـ) وهذا ما صعنه بعض المواطنين في شعر الشيخ محمد الهلالي (1819 – 1894)، والشيخ مصطفى سلامة النجاري ، تلميذ الشاعر جبرائيل المخلع الدمشقي (1853)،المعروف بكونه شاعر عباس الأول ، إذ جمع مجمل كتاباته ، بين شعر ونثر، في ثلاثة كتب ، منها كتاب “الإشعار بحميد الأشعار”، المطبوع على الحجر في مصر، في سنة 1284هـ وهو ما أصاب شعراء لاحقين عليهم ، مثل معروف الرصافي الذي تولى محيى الدين الغلاييني طبع قصائده وتبويبها وتفسير ألفاظها في العام 1910، وحمل عنوان: “ديوان الرصافي “، أو “الرصافيات “.

إلا أننا نقع في قوائم كتب القرن التاسع عشر على كتب بينة قام بدفعها الى المطبعة المؤلفون أنفسهم ، مثلن شهاب الدين محمد بن اسماعيل (1803 – 1857 ) وكتابه “سفينة الملك ونفيسة الفلك ” الذي ضمنه مجموعا وافيا من الزجليات والموشحات والأهازيج والموا ويل التي يتغنى بها أرباب الفن في مجالي الأفراح ومعاهد السرور، ولما أتمه في سنة 1259هـ قال في تاريخه:

هذه سفينة فن بالمنى شحنت والفضل في بحره العجاج اجراها

واذ جرت بالأمانى فيه أرخها سفينة البحر بسم الله مجراها(31)

أو يوسف الشلفون ( 1840- 1895) الذي جمع شعره في ديوان ، ودعاه “أنيس الجليس » في العام 1874: أو سليمان الصولة ( 1814 – 1899) ، وله ديوان واسع في 382 صفحة طبعه في مصر ، في سنة 1894، واعتذر في مقدمته أنه ” برض من عد ومجموع صغير، بقي من ديوان كبير، غادرته اللصوص ، بين محروق ومقصوص ، فقال وهو يتعرى: اذا ما كان لي ابل فمعزى”. ثم أضاف اليه ما جد عليه من النظم فطبعه “مفضلا القليل المقبول على الكثير المرذول ” (32) و الشاعر قسطاكي الحمصي (1858 – 1941) الذي جمع شعره في ديوان سماه “السحر الحلال في شعر الدلال ” واشتملت عمليات الجمع ، بمبادرة من الشاعر أو من معارفه ، على مجمل شعره ، بعد أن تم تنقيحها أو حذف بعضها قبل دفعها الى الطبع ،في حركة تشير اليها في صورة بينة عناوين الدواوين. فهي عناوين تميل الى ثلاثة تعيينات: تعين اسم الشاعر أحيانا (ديوان الشهال أو الر صافي ) و/أو تعين صنف الكتاب ونوعه (هذا يصح في الاشارة الى أنه “شعر» أو “نظم ،») و/أو تروج له (هذا يصح في إطلاق تسميات ، مثل “أنيس الجليس “، أو “عقد اللأل “، أو «الدر المنظوم ” ، أو “الطراز الأنفس»، على الدواوين ). ولقد وجدنا في مراجعتنا لكتب الشعر في القرن التاسع عشر الأنماط الثلاثة التي تبيناها في جمع الشر القديم وهي:

-الجمع على الترتيب الهجائي، ونجده في عدد من الدواوين ، مثل ديوان علي أبو نصر المنفلوطي ( 1880) المطبوع في مصر في سنة 0 130، وديوان الشيخ شهاب الدين المصري (1857) المطبوع في مصر في 1277هـ ، وديوان محمود سامى البارودي(33)وغيرها الكثير.

– الجمع على أبواب المعاني ونجده في عدد من الدواوين مثل ديوان عبدالفتاح اللاذقي (من مواليد 1842) ،”سفير الفؤاد” المطبوع في بيروت في مطبعة جمعية الفنون ، في العام 1880، وجعله الشاعر في أربعة أركان ، هي: في المدائح والتوسلات ، وفي امتداح السادات ، ثم في التهاني والمراثي، وأخيرا في القدود والموشحات ، وديوان الشيخ محمد الهلالي ( 1619_ 1894) الذي ضم أبوابا حسب معاني الشعراء من مديح وتهان ورثاء وتواريخ ، وديوان محمود صفوت الساعاتي ( 1880) المطبوع في سنة 1912، المرتب على الموضوعات ، ومثله ديوان ابراهيم مرزوق المصري (1866) المطبوع في مصر، في 1287هـ ، وديوان الر صافي “، المرتب على أربعة أبواب ، هي في الكونيات في الاجتماعيات ، في التاريخيات وفي الوصفيات.

– الجمع على الترتيب الزمني، ونجده في عدد من الدواوين ، مثل “العصر الجديد» لخليل الخوري، وهي مجموعة شعرية ، لا ديوان ، أصدرها الشاعر في العام 1863 (بيروت في مطبعة المؤلف بالمطبعة السورية ) ، ورتب القصائد على تواريخ وضعها.

2- ب: الكتاب المختلط والمستقل

تحققنا في الدواوين المذكورة من كونها تشتمل على مجموع شعر الشاعر، وعلى المنتقى منه بعد تنقيح وحذف ، إلا أننا وجدنا في الكتب الشعرية المطبوعة في القرن التاسع عشر ما يفيد عن وجود ديوانين أو أكثر للشاعر الواحد: فشعر الشيخ ناصيف اليا زجي ( 0 180 -1871) متفرق في ثلاثة دواوين (“النبذة الأولى »، “نفحة الريحان »، و” ثالث القمرين »)ولأبي حسن الكستي ( 1840 – 1909) ديوانان: “ديوان مرآة الغريبة » (طبع على نفقة سليم رمضان ، في العام 1880) و” ترجمان الأفكار» (المطبوع في 1299هـ) ولعبدالله نديم ( 1844- 1896) ثلاثة دواوين كبيرة. ونتساءل هل الدواوين هذه كتب مختلفة كالتي نعرفها عند شعراء اليوم ، أي مجموعات متفرقة ومتباينة ، أم هي “نبذات » مختلفة من مجموع نتاجهم جرى توزيعها في أكثر من كتاب واحد، ولو عل فترات متباعدة؟ لن نستمر في التخمين أو الترجيح ، ذلك أن ما يعنينا واقع في ميدان آخر، أو يمكن التحقق منه في مساءلة الديوان المطبوع عما يتضمنه من قصائد فلو وقفنا عند كتب جبرائيل المخلع الدمشقي (1853) لوجدنا أنها تتوزع على ثلاثة أبواب: الأول في الصناعات ، وهو مرتب على السنين ، والثاني في غير المصنع ، ورتبه على حروف المعجم ، والثالث في النثر والأدوار، وهو «الإشعار بحميد الأشعار» (المطبوع على الحجر في مصر سنة 1284هـ ). وهو ما نمتلك صورة أوضح عنه لو درسنا كتب محمد عياد الطنطاوي ( 0 181 – 1861) التي يمكن تسميتها بالكتب «المختلطة “. فنحن لا نستطيع القول أن فكرة تأسيس «الكتاب » كعمل مشتمل عل موضوع بعينه ، لا على جمع متفرق وضمه ، قد تبلورت تماما في مدى القرن التاسع عشر. ولنا في أسماء كتبه وفي موضوعاته خير دليل على ما نقوله: فالطنطاوي أخرج كتابا بعنوان “أحسن النخب في معرفة لسان العرب » ، ويدور الكتاب على ألفاظ وجمل وحكايات ورسائل تبودلت بينه وبين أصدقائه في مصر، وقد أرخت بعض هذه الرسائل بتاريخ سنة 1257هـ ( 1841) هو ما نقع عليه عند غيره ، إذ اشتملت كتبهم على مجموع ما كتبره وان في أنواع أدبية مختلفة ، مثلما فعل رزق الله حسون الحلبي ( 1825- 1880) في بعض كتبه: ففي «النفثات » قسمان ، أولهما في تعريب قصص كريلوف ، شاعر الصقالبة ، ووضعها على طريقة بيدبا الهندي ولا فونتين ولقمان في حكاياته ، وعربها نظما (في 41 قصة تقع في 69 صفحة )، وثانيهما نخبة من منظوماته من تواريخ ومدائح وشكوى وأوصاف في 84 صفحة بقطع وسط وطبعها في لندن ، في العام 1867. هذا ما نقع عليه في بعض كتب فرنسيس المراش ( 1875 – 1874). “مشهد الأحوال “، وهو كتاب اجتماعي، نثري وشعري في آن.

غير أن دخول الطباعة وترجمة الكتب ومحاكاة الأدباء الأوروبيين في صناعاتهم الكتابية أدت الى اصدار كتب مستقلة: محمد عثمان جلال (1829- 1898) نقل أمثال لا فونتين شعرا الى العربية وأخرجها في كتاب دعاه “العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ »: هذا ما فعله الشيخ خليل اليا زجي (1889)، في “رواية المروءة والوفاء”، وهي شعرية تمثيلية مبنية على حكاية حنظلة والنعمان ، وقلد فيها شعر الافرنج ، في نحو ألف بيت ، وجرى تمثيلها في بيروت في سنة 1878، وطبعت فيها في سنة 1884، ثم في مصر سنة 1902، هذا ما يمكن قوله في كتاب رزق آلله حسون ( 1825- 1880)، “أشعر الشعر» المطبوع في المطبعة الأمريكية في بيروت ، في 1869و 1870، وأودعه نظم سفر أيوب ونشيد موسى في الخروج ونشيده في التثنية ثم سفر نشيد الأناشيد لسليمان وسفر الجامعة وختمه بمراثي أرميا، أو في كتابه الآخر، “النفثات” (لندن ) ، الذي ضمنه أر بعين مثلا من أمثال أحد الكتبة الروس ، فنقلها الى العربية نظما وألحقها ببعض مقاطع شعرية من نظما.

هذا ما يمكن أن نطلقه على عدد من الكتاب ، مثل فرنسيس المراش (1876 – 1873)، الذي انصرف الى تأليف الكتب وفق موضوعات بعينها وأصدرها في المطابع تباعا: فهو انتقل ، على سبيل المثال ، بعد دراسته الطب في حلب ، الى باريس في سنة 1866، فوصف سفره اليها في كتاب طبعه في السنة التالية ، وأصدر بعده عددا من الكتب المتفرقة الموضوعات ،مثل: “المرأة الصفية في المباديء الطبيعية » (حلب 1861) فيه أصول علوم الطبيعة ، و” شهادة الطبيعة في وجود الله والشريعة »، وهو كتاب مبني على مباديء العلوم الطبيعية ، و«غابة الحق » (حلب 1895)، وجمع فيه بين الفلسفة والآداب ، و«مشهد الأحوال » (بيروت 1883)، ورواية دددر الصدف في غرائب الصدف “، و” خطبة في تعزية الكروب وراحة المتعوب “، وكتاب “الكنوز الفنية في الرموز الميمونية ” ( 1870) وهي قصيدة رائية في نحو خمسمائة بيت ضمنها رموزا على صورة رواية شعرية ، ومن نظمه أيضا “ديوان مرآة الحسناء” (طبعه له محمد وهبه سنة 1872 في مطبعة المعارف في بيروت ).

يقول مارون عبود في ديوان فرنسيس المراش (1835- 1874) “مرآة الحسناء” (1872)، الواقع في 348 صفحة: ” لو طبع كما تطبع دواوين اليوم لفصلنا من ذلك القماش دواوين عدة ، واستقلت كل من مواضيعه بديوان خاص به ، ولكنه طبع في ذلك الزمان ، يوم لم يكن هذا التنظيم والترتيب الذي يكثر ورقه ويقل كلامه » (34). وتفيدنا مقدمة الكتاب في تبيان جمعه لشعره ، إذ يقول “الحمد لله الذي ألبس الشعر جمالا وجلالا، وجعل فيه البيان سحرا حلالا، فطابت النفوس في جنات أزهاره ، ورقصت الألباب بكؤوس عقاره ” ، ثم يضيف:”وقد رتبته (الديوان ) على حروف الهجاء، متجردا من المدح والهجاء، فإن. المدح اطراء ورياء، والقدح حسد وعباء، فما أحوجني الله الى بيع ماء المحيا في سوق الشعر، وأبى الله أن أرد الدر الى القعر، ولكني مدحت بعض العلماء والأخلاء الكرام ، تبيانا لفضل العلم وحفظ الذمام. فوا غبن شاعر سود بالمدائح سواد القرطاس ، وباع كرائم الشعر وذهبه في سوق الزجاج والنحاس » (35). جمع المراش ، إذن ، شعره على طريقة القدماء، إلا أنه أصدر مع ذلك كتبا متفرقة مستقلة الموضوعات على ما تبينا.

وقعنا أعلاه على كتب شعرية مستقلة الموضوعات ، غير أنها، مثل كتاب “أشعر الشعر» للمراش ،

تنطلق من مساع في الروايات الشعرية والحكمية ، بخلاف ما هو عليه الأمر، على ما تحققنا ،

عند الشاعر والصحفي والمترجم خليل الخوري (1836- 1907) الذي سعى، لأول مرة الى وضع عنوان

خاص بمجموعة شعرية ، هي مجموعته: “العصر الجديد”، بل الى اصدار مجموعات مستقلة من

القصائد: “زهر الربا في شعر الصبا» (بيروت 1857) “العصر الجديد» (1867)، “النشائد الفؤادية »

(بيروت 1863)، “السمير الأمين ” (1867، بيروت مطبعة المؤلف ا، “الشاديات ” (بيروت 1875)،

و” النفحات ” (بيروت ، 1884). يقول عيسى اسكندر المعلوف عن ديوان “العصر الجديد»: “وعلى

الجملة فالعمر الجديد مثل اسمه عصر جديد للشعر العربي السوري وهو أول ديوان نقل فيه الشعر

من النمط القديم الى الأسلوب الجديد. ومن استقري قصائده رأى فيها من المعاني الحديثة ما يشهد

له بحبه للجديد ومحا ولته ترك القديم وان كان لم يستطع أن يتخلص من ربقته ويقطعها. ولقد ميز

قصائده بعناوين تدل على أغراضها وتابعه في ذلك نفر من شعرائنا مثل فرنسيس المراش الحلبي في

ديوانه د«مرآة الحسناء» وسليم بك العنحوري الدمشقي في ديوانه “سحر هاروت » وغيرهما (36)0.

وهو ما يمكن أن نتأكد منه لو عدنا الى مجموع الكتب الشعرية للعنحوري، وهي: “سحر هاروت »

الغزل والنسيب والمحسنات ، المطبعة الحنفية ، دمشق 1885)، و”بدائع هاروت “

(بيروت ، مطبعة القديس جاورجيوس ، 1886) ، و”الجوهر الفرد والشعر العصري”

(وهو النبذة الثالثة من شعره ، وفيه ، بعد المدائح لمعا هويه ، مباحث في الحقوق والواجبات ،

المطبعة الشرقية ، الحدث – لبنان 1904) و” آية العصر» (نبذة خاصة من الشعر “، مصر 1905).

7- المجموعة الشعرية

وماذا يمكننا القول عن “المجموعة الشعرية » ، أو العمل الشعري المفرد؟ ومتى ظهر في تاريخ الشعر العربي؟

وجدنا في صنيع عدد من الشعراء “العصويين ” (كما جرت تسميتهم بعد حين ) من أمثال خليل الخوري

وسليم العنحوري وفرنسيس المراش وغيرهم ، انصرافا الى وضع كتب شعرية مستقلة ، منذ ستينات

القرن الماضي. غير أن هذا التقليد الناشيء سيبقى غريبا في المشهد الشعري العام ، حيث إن

الشعراء _ وذكرنا بعضهم أعلاه _ احتفظوا بالتقليد القديم ، وعلينا انتظار شعراء مجددين ، مثل “جماعة

الديوان “أو “المهجريين »، لكي يتأكد التقليد الجديد.

أولت جماعة “الديوان ” ، بعد خليل مطران ، ولاسيما في قصيدته “المساء”، الوحدة العضوية شأنا

كبيرا: هذا يصح في بناء القصيدة الواحدة ، كما يصح في المساعي الشعرية التي طلبت توا فقات

معينة بين مجموع القصائد (أو بين عدد منها) التي ستؤلف مادة كتاب مستقل وللاصدار، ونجد في

مسعى عبدالرحمن شكري، في “ضوء الفج » (1909) تأليفا لافتا لمجموعة شعرية ، إذ هي موضوعة

على أساس تالفات وتوافقات بين قصائدها. وهذا ما فعله العقاد، بعد ذلك ، في العناوين المتتابعة

التي أطلقها على مجموعاته الشعرية: “يقظة الصباح » (1916)، “وهج الظهيرة ” (1917)، “أشباح

الأصيل “

( 1921)، “أشجان الليل ” (1928)، وهو ما أوضحه بعد أن جمع المجموعات هذه في كتاب واحد:

“وسميت كل جزء باسم يدل عليه بالنظر الى الأجزاء كلها على قدر المستطاع من الدلالة في هذه

الأغراض ، فسميت الجزء الثاني “وهج الظهيرة » وسميت الجزء الثالث “أشباح الأصيل “وسميت الجزء

الرابع “أشجان الليل » فإذا قرأه القاريء فربما وجد في “أشجان الليل » ما هو أخلق ب “وهج الظهيرة

” أو وجد في “يقظة الصباح ” ما هو أخلق ب “أشباح الأصيل » ولكنه لا يخطي، أن يستدل بالاسم

على الروح في عمومه ولا أن يدرك الفاصل الذي يميز بين جزء وجزء في قوته وميسمه ، وهذا حسبنا

على الجملة من دلالة الا أسماء”(37) 0.

3- أ: العنوان والعناوين

هذا ما نقع عليه ولكن في صورة أقوى في نتاجات الشعراء “المهجريين “،حتى أن ايليا أبو ماضي

سعى في مجموعته ، “تذكار الماضي» ، الصادرة في الأسكندرية ، في العام 1911، الى تجميع

قصائد بعينها فيه ، وهي القصائد المنظومة في مصر، ومن المفيد أن نذكر في هذا السياق أن خليل

الخوري أقدم على وضع أسماء للقصائد نفسها، وهو ما لم يعرفه العقاد مثلا في ديوانه.

هذا ما يبدو جليا في صورة ساطعة في الشعر العربي الحديث ، بل وجد الدكتور زكي نجيب محمود

فيه السمة الأولى التي تميز هذا الشعر عما كان عليه “وأول ما يستوقف النظر في الشعراء المحدثين

، هو اصرارهم على أن يستدبروا الماضي بصورة قاطعة ، حتى ليحرصوا على الا يطلقوا على مؤلفاتهم

الشعرية اسم “الدواوين ” خشية أن تفوح من هذه التسمية رائحة القديم فلشن كان فيما مضى يقال

ديوان المتنبي وديوان الأبرواي وديوان شوقي وهكذا، فهم اليوم يقولون – مثلا – الناس في بلادي،

مدينة بلا قلب ، أنشودة المطر، البئر المهجورة الخ “(38).

يسترعي انتباهنا في دراسات العناوين ، عند هوك وجينية وغيرهما، هو التوافق بين ما هي عليه

وظائف العنوان الثلاث (كما حددها هوك ) في الأدب القديم الذي أرسوه وفي الأدب القديم العربي كما

درسناه. وهو التوافق عينه بين ما هي عليه وظيفة العنوان في الأدب الغربي الجديد، أي تعيينه

“الداخلي »، وما هي عليه وظيفة العنوان في الأدب العربي الحديث. يقول جينيت: “تسود حاليا

مشهد الأدب العناوين التي تشير وان في صورة غامضة الى موضوعه ، ويجب الا ننسى أن الاستعمال

كان مختلفا (في ماضي الأدب ) ، بل معكوسا حيث إن عناوين القصائد كانت تشير الى صنف الكتابة

مثل: “المراثي ، والأناشيد وغيرها» (42 ).

ويقر جينيت بأننا نحتاج الى تحقيق طويل للغاية عبر الطبعات الأصلية للكتب لكي نتوصل الى تعيين

الحقبات التي أدت الى الوضع الحالي ، وهو التعيين المستقل لصنف الكتاب (43).هذا ما نجد بعض

الاجابه عنه في كتاب سابق على كتاب جينية. وهو «ظهور الكتاب “. ففي هذا الكتاب نقرأ فقرة ضافية

عما يمكن أن نسميه “الهيئة الثبوتية ” للكتاب أي (ورقة قيده ) التي تظهر اسم صاحبه وعنوانه وصنفه

واسم ناشره ومكانه الطبع وسنته. ذلك أن القاريء الحديث يتوقع سلفا الوقوع على هذه المعطيات

في الصفحات الأولى من أي كتاب جديد، فيما كان الأمر مختلفا في القرن الخامس عشر أو في القرن

الذي تلاه ، حيث أن الكتب المطبوعة ما كانت تملك صفحة أولى مخصصة للعنوان. وكان على القاريء

أن يلجأ الى الصفحة الأخيرة منه لكي يحصل على بعض المعلومات عن الكاتب والناشر وسنة الطبع

ومكانه ، نقلا عما كانت عليه تقاليد كتابة المخطوطات ، وهي ذكر المعلومات في الصفحة الأخيرة منه

(44).

كما نقع في هذا الكتاب على معلومات قيمة تظهر لنا الظهور المتدرج للمعلومات المتصلة بالعنوان

على صدر الكتاب ، وذلك منذ القرن الخامس عشر (45). ولكن ما صلة العنوان بمادة الكتاب نفسها؟

متى يوضع العنوان: قبل مباشرة الكتاب أو بعد الانتهاء منه؟ وطرح هذا السؤال يقودنا الى دراسة

مسألة أخرى، وهي الوقوف على أصناف المجموع الشعري في الكتب الشعرية المتفرقة والمستقلة.

فالنقلة من “ديوان الحافظ ” الى النبذات الشعرية المتفرقة لا يستدعيها الانتقال من الو راقة الى

الطباعة وحسب (ومعها انتشار الكتب على فطاقات أوسع والطلب عليها والتنافس بالتالي على

عرضها وتقديمها)، وانما يستدعيها تغير في النظر الشعري نفسه ، للشعر من جهة ولصيغته التبادلية

في المجتمع من جهة ثانية.

3- ب: الكتاب و” السوق »

هذا يدعونا، في وقفة أولى ال تبين مبدأ التأليف نفسه في الكتابة العربية القديمة ، على أن نعود في

وقفة ثانية ، لتبين حالها المستجدة. يقول الجاحظ: أدان لكل شي ء من العلم ونوع من الحكمة وصنف

من الأدب سببا يدعو الى تأليف ما كان فيه مشتتا ومعنى يحدو على جمع ما كان منه متفرقا ومتى

أغفل حملة الأدب وأهل المعرفة تمييز الأخبار واستنباط الآثار وضم كل جوهر نفيس الى شكله بطلت

الحكمة وضاع العلم وأميت الأدب » (46)0وفي كلامه ما يشير الى أن حاصل الأدب (والعلم والمعرفة )

،أو سبب تأليفا، واقع في سابق عليه ، هو مجموع المشتت والمتفرق ، على أن جهد المؤلف هو جهد

الجامع بالتالي ، أي الذي يتوصل الى تجميع المواد كلها (أو ما أمكن منها) ، والى التمييز فيما بينها ،

والى فرز كل منها، وتنسبيه أو ضمه الى ما يناسبه ، ويقوم التعريف بالتالي على رسم حدود للطم

(والحكمة والأدب ، من دون تمييز بينها) نجد محدداتها فيما بدأ به عدد من علماء العربية ، قبل الجاحظ

ومعه ، وهو جمع مرجعية الفصحى. ويمكننا القول أن التأليف في العربية ، ولاسيما في ميادين

المعرفة والأخبار، اتسم بهذا الطابع الجمعي – التمييزي- التصنيفي، وهو ما نتأكد منه في عدد من

ديباجات التأليف العربية القديمة ، حيث يسارع المؤلف الى تبيان الداعي الى التأليف ، وهو أن أحدا ما

سبقه الى طرق هذا الباب ، أو تجميع هذه المواد، أو التدقيق فيما بلغنا منها. يقول قداسة بن جعفر

في مقدمة كتاب “نقد الشعر”: “لم أجد أحدا وضع في نقد الشعر وتخليص جيده من رديئه كتابا ولما

وجدت الأمر على ذلك رأيت ان ا`تكلم في ذلك بما يبلغه الوسع “(47). وهو ما يعطي هذه المعرفة

(والعلم والأدب ) صفة “الميدان المنتهي”، أي القابل للزيادة والتصحيح ، “فلا يخرج منه شيء”، مثلما قال الفراهيدي، إلا أن صفة الانتهاء هذه تعني شأنا آخر، وهو أن التأليف لا يخضع لكتابة ما،بل لتجميع وتدقيق وتصنيف ، على أن حامله ، أي المدونة أو المخطوطة ، هو شرط حفظه ، لا تحققه بأية حال: المعنى (أو موضوع التأليف ) موجود قبل أن ينتهي المؤلف الى جمعه ، وسابق بالتالي على عملية التأليف نفسها، لحما لو أن العملية هذه لا تعدو كونها ضما له واحلاله في منزله الصحيح بعد أن ضاخ وتشتت عن أصله. فالمخطوط يحفظ ، إذا جاز القول ما هو منته ، أو ما هو متمم ومكمل لميدانه ،وهي الهيئات المادية المختلفة التي تحدد جمع الشعر في ديران: فالشاعر بل الديوان ، حاصل ومنته قبل وضعه في مدونة ، على أن عملية إنزاله تقوم على التدقيق في مواده ،وربما على حذف بعضها، وعلى فرز هذه المواد في أبواب أو مداخل تتيح التعرف الخارجي أو التوضيبي لها ، لا الدال على شبكاتها التكوينية أو الدلالية.

لهذه الأسباب كلها وجدنا أن إقدام الشعراء على تجميع قصائدهم في مجموعات مفردة ،

مثلما هو عليه الحال راهنا ، لا يخضع لحسابات واقعة في النشر ابتداء من النصف الثاني من القرن

التاسع عشر (مع الطباعة وانتشار الكتابة والقراءة على نطاقات واسعة ) فقط ،

وانما يخضع أيضا الى تغير في النظر الى الكتابة نفسها بل الى تغير النظر الى الشعر في المجتمع ،

وهو ما نلخصه في هذا القول: انصرف الشعر من البلاطات والمجالس والحلقات ،

أي من دورة الحكم والناقدين الى دورة “ا لسوق ” والقراء.

لم يعد تعيين الشعر قائما في اسم ،

في شاعر، بات مكرسا أو معتبرا فيأتي صدور الديوان إيداعا أو ضبطا لما كان تحقق في دورة أخرى،

لا تعينها او لا تشترطها مواد الكتاب المجموع نفسها ولا رصيد الشاعر المتتابع والمتراكم.

أما مع دورة السوق والقراء فقد بات لزاما على الشاعر أن يقنع ويغوي ويستدرج القاريء ،

على أن في اسم الشاعر (وربما اسمه الفني ، لا العائلي )، وفي عنوان الكتاب ،

وقيما يتضمنه خصوصا، ما يثير الاقبال على شرائه ، هو وغيره بعده ، يمكننا بالطبع أن نشير الى

تغيرات حاصلة في مفهومات الشعر، وقضت بتغير الصنيع الشعري، إلا أن تبالات العلاقة بين الشاعر

والقاريء باتت تتأثر، هي الأخرى بتبدل العلاقة بين الشاعر والقصيدة ، وبين القصيدة والقصيدة. هكذا

يمكننا الحديث عن دورة شعرية جديدة بات معلمها الأساسي إصدار مجموعات من القصائد ، لا انتظار

“الديوان ” الأخير والحافظ للكل. ولكن ما الذي يحدد جمع القصائد نيما بينها؟

قد يكون قرار الجمع لاحقا على وضع القصائد، كأن يقرر بدر شاكر السياب ،

ذات يوم ، اصدار مجموعة جديدة ويطلق عليها اسم “انشودة المطر”،

وهو ما نسميه بالمجموعة “الزمنية »،

أي التي تجمع بين دفتيها شعر الشاعر الأخير.

ونخلص من هذا القول الى أن قرار اصدار المجموعة يخضع لاعتبارات نشرية ،

لاحقة على كتابة القصائد،

وما كان لهذه الاعتبارات بالتالي أي أثر على توجيه القصائد أو على نشأتها أساسا.

وقرار النشر بالتالي تدبير واخراج لاحقان لعملية سبقتهما،

وما كان لهما تأثير عليها. وللشاعر في الاخراج ، بل في الاعلان عن ذلك طرق وفنون ،

فيقوم مثل السياب باختيار عنوان قصيدة يعتبرها الأقوى في مجموعة القصائد، مثل “

أنشودة المطر” ويطلقها عليه ، وقد يعمد مثل محمود درويش الى اقتراح عنوان ،

مثل

“حصار لمدائح البحر” ،

لا نجده في أي من عناوين قصائد المجموعة بل يبدو مثل عنوان دلالي جامع

لمجموع القصائد (وهي منتجة ، فيما يتعلق بهذه المجموعة بالذات ، في مرحلة بعينها،

هي مرحلة حصار الجيش الاسرائيلي ،

بعد غزوه لبنان في 1982، لقوات “منظمة التحرير الفلسطينية “

وخروجها من بيروت في السنة نفسها).

وقد يكون قرار الجمع سابقا، إذا جاز القول ، على صدور المجموعة ، بل على كتابتها أيضا،

كأن يقرر الشاعر كتابة قصيدة أو سلسلة من القصائد في موضوع بعينه ،

وهو في ذلك يشبه عمل الفنان التشكيلي الذي انصرف مثل بيكاسو الى مرحلة “

زرقاء” وثم الى غيرها، وهو ما نتبينه في السلاسل التي يخصصها الفنانون التشكيليون لأعمال

متقاربة في الصنع. وقد يكون لهذه الأسباب ،

عنوان المجموعة الشعرية جاهزا قبل كتابة القصائد ، وقبل دفعها الى الطبع ربما.

لن نحقق في هذا الأمر ، إلا أن بعض مجموعات الشعر العربي الحديث ، وفي عدد من عناوينها،

توحي كما لو أن واضعها طلبها،في موضوعها دون شك ودون عنوانها أحيانا قبل مباشرة الكتابة نفسها

، وقبل اصدار المجموعة ، فكم من المجموعات الشعرية الحديثة حملت منذ عناوينها وحتى متونها

انصراف الشاعر الى “مناخ دلالي واحد»، يتحقق منذ العنوان: “أغاني مهيار الدمشقي “

لأدونيس ، «أوراق الغائب ” لبول شاؤول ، وغيرهما الكثير.

إلا أن الشاعر العربي الحديث ما اقتصر فعله على التبديلات المذكورة في وظائف العنوان ،

بل تعداها لتقديم مقترح جديد للعنوان يمكن لنا أن نتحقق منه فيما أقدم عليه الشاعر أنسي الحاج

في ديوانه الأول “لن ” ( 1960): فالعنوان هذا يبلبل ما سبق أن تبيناه من وظائف العنوان ،

أو ما أغفلناه فيها، وهي أن يكون العنوان جملة اسمية مثل العناوين الكثيرة المذكورة أعلا»،

أو جملة فعلية ، على ما نتحقق كثيرا في مجموعات الشعر العربي الحديث: “

أقول لكم ” لصلاح عبدالصبور، “تعالي نذهب الى البرية » لزاهر الجيزاني، “

أرى ما أريد» لمحمود درويش وغيرها الكثير.

أما عنوان الحاج فيقطع مع مبدأ الجملة النحوية (الاسمية أو الفعلية ) التي قام عليها العنوان ،

وهو عنوان قابل لتفسيرين. أن يكون تحويلا لأداة النصب عن وظيفتها ،

فلا تعود أداة بل أشبه بالاسم ، أو أن تكون “لن » طرفا من جملة غيب طرفها الاخر،

او جرى اضماره ، ا`ي الفعل اللازم لها».

يتحدث جيرار جينيت عن عدد من المواد التي دخلت ، مع الأدب الحديث خصوصا. في تعيينه ،

فباتت جزءا لازما له ، ويطلق عليها تسمية «العتبات ” (وهو عنوان الكتاب أيضا).

على أنها المدخل اللازم للعبور الى مواد الكتاب. وهو ما نتبينه منذ العنوان ،

سواء للكتاب أو للقصائد ، أو في مواد أخرى (الاهداء، أو التقديم ، أو المواد المصاحبة له ،

قبل صدوره أو بعد ذلك )، تشير كلها الى تكوين النص ،

أي ما يفيد عن العمليات التي دخلت في صنعا قبل أن يستقر في صيغة “ثابتة » هي صيغة الطبع.

الهوامش

1-د. ناصر الدين الأسد: “مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية “،

دارا لجيل بيروت ، الطبعة السابعة 1988 ا، ص 482 وبعدها 2

2- د. ناصر الدين الأسد م. ن. ص 557.

3- محمد بن سلام الجمحي: «طبقات فحول الشعراء” ،

قرأه وشرحه محمود محمد شاكر، مطبعة المدني، القاهرة 1974، ص 67.

4- محمد بن سلام الجمحي: م. ن ، ص 204.

5- أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ: “البيان والتبيين » ، تحقيق وشرح:

عبدالسلام محمد هارون ، دار الجيل بيروت د.ت ص 2/ 9.

6- أبوالفرج الأصفهاني: «الأغاني” ص 11/ 54.

7- أبوالفرج الاصفها ني: م.ن ، ص 4/ 256- 258 ،

ورد في الأسد: ص 192.

8- أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ: م.ن ، ص 1/321.

9- العسكري: «التصحيف والتحريف » ، ص 4، ورد في الأسد ص 197.

10- أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ: «الحيوان »، ص5/ 194- 195، ورد في الأسد: ص 199.

11- ابن النديم: «الفهرست » ، ص 83، ورد في الأسد: ص 581.

12- ابن سلام الجمحي: م ن ، ص 40.

13- أبو البركات بن الأنباري: “نزهة الألباء في طبقات الأدباء» ،

نشر علي يوسف ،د. ت ،ص63.

14- ناصر الدين الأسد: م.ن ، ص 582.

15- أبوعلي القالي: «الأمالي “، دارا لكتب ، د.ت ، ص 3/ 130.

16- ابن قتيبة: “الشعر والشعراء» ، تحقيق أحمد محمد شاكر، مطبعة

عيسى البابي الحلبي، القاهرة ، 1364 هـ. د ص 23.

17- ابن سلام الجمحي: م. ن ،ص 23.

18- ناصر الدين الأسد: م.ن.ص 558.

19- ناصر الدين الأسد: م. ن ص 562.

20- جلال الدين السيوطي: “المزهر في علوم اللغة وأنواعها» مطبعة

عيسى البابي الحلبي، القاهرة ، د.ت ص2 /406.

21- الأعلم: «شرح ديوان زهير» ، المطبعة الحميدية ، ص 90، ورد في الأسد: ص 529.

22 – كاول بروكلمان: “تاريخ الأدب العربي» ،الجزء الأول ، نقله الى

العربية: د. عبد الحميد النجار، الطبعة الرابعة ، دار المعارف القاهرة ، د.ت ، ص1/87.

23- كاول بروكلمان: م.ن » ص 1/77.

24- أبو علي المرزوقي: «شرح ديوان الحماسة »، نشر أحمد أمين

وعبدالسلام هارون ، القاهرة ، 1951، ص 13 – 14.

25 – د. احسان عباس: “تاريخ النقد الأدبي عند العرب “، دار الثقافة ، بيروت ، الطبعة الخامسة 1986، ص71.

26- ابن النديم: «الفهرست ” ،ص 146- 147.

27- أبو زيد القرشي: «جمهرة أشعار العرب »، ص 35، ورد في الأسد: ص587.

28- طيفور: في “الموشح ” ، ورد في كتاب احسان عباس:”تاريخ النقد…” ص 76- 77.

29- استقينا المعلومات عن دواوين القرن التاسع عشر من عدة كتب ، منها:

– جرجي زيدان: «تاريخ آداب اللغة العربية »، المجلد الثاني ، منشورات

دار مكتبة الحياة بيروت 1983، د.ت.

– الأب لويس شيخو: “تاريخ الآداب العربية ( 0 180- 1925)” ،

منشورات دار المشرق ، بيروت ، طبعة ثالثة 1991.

– يوسف آليان سركيس الدمشقي:

«معجم المطبوعات العربية والمعربة »، دار صادر، بيروت ، 3أجزاء ، وهي نسخة مصورة عن الطبعة الاصلية ،

الصادرة في العام 1928 عن «مكتبة سركيس » ، في القاهرة.

30- يوسف قزما خوري: «اعلام النهضة الحديثة ه ،

في حلقتين صادرتين عن «دار الحمراء للطباعة والنشر،

بيروت ، الطبعة الأولى 1990، للحلقة الأولى ، و1991،

للحلقة الثانية ويشتمل الكتاب على “تراجم ” منشورة في مجلات «المقتطف »

و”الضياء” و«الكتاب »

وغيرها، وفي كتب مثل «تاريخ الصحافة العربية » لفيليب دي طرازي.

31- عيسى اسكندر المعلوف: مجلة «المقتطف » ج 36، مارس _ابريل

1910، ص 224- 231 وص 321- 327، ورد في كتاب يوسف قزما الخوري:

«اعلام النهضة الحديثة » ، الحلقة الثانية ص 85.

32- الأب لويس شيخو: م. ن ص 289- 290.

33- قام البارودي بوضع مختارات تحمل اسمه. «مختارات البارودي»،

وجمعها من شعر 30 شاعرا من فحول الشعراء المولدين ،

ورتبها على سبعة أبواب: الأدب ، المديح ، الرثاء، الصفات ، النسيب ، الهجاء، الزهد

وعني بتصحيحه ياقوت المرسي ، وهو كاتب البارودي في شيخوخته ، مطبعة الجريدة ،

9/1327، 4أجزاء. ومن المفيد أن نقيم صلة الشبه بين ما قام به البارودي ،

وما قام به قبله البحتري، وهو شاعر البارودي الأول ، في انتخاب الشعر،

وعلى أبواب المعاني. ولاحظنا كذلك أنها المختارات الوحيدة في القرن التاسع عشر،

التي قام بها شاعر.

34- مارون عبود: مجلة «الكتاب » ، ج 8، 1949، ص 224- 239،

ورد في «اعلام النهضة الحديثة » ،الحلقة الأولى ، ص 317.

35 – مارون عبود: م.ن.، ورد في: الصفحة نفسها.

36 -: عيسى اسكندر المعلوف: مجلة «المقتطف » ، ج 33 ديسمبر 1908، ورد في كتاب «اعلام

النهضة الحديثة » ، الحلقة الثانية ص 117.

37- عباس محمود العقاد: «ديوان العقاد» ، 1928، ص 351.

ولعلنا نجد في مسعى ابن هرمة ( 90- 150هـ) المسعى الاقدم في جعل عنوان الديوان منسوبا الى

اسم الشاعر، بعد أن أطلق على شعره تسمية

“العباسيات » (كاول بروكلمان: م.ن ص 2/ 70) ،

وهذا ما درج عليه شعراء لاحقون ، بل معاصرون: «الرصافيات » و«الريحانيات » وغيرهما.

38 – د. زكي نجيب محمود: “مع الشعراء» ، دارا لشروق ، بيروت ،

الطبعة الثالثة 1982، ص 79.

39- عدنا الى المقدمة في كتاب “الشدياق الناقد: مقدمة ديوان أحمد فارس الشدياق »

دراسة وتحقيق: د. محمد علي شوابكة ، دارا لبشير ، عمان، 1991، ص 106.

40- وهو حسب الشاعر في هامش شرحي: «ما خالط أبياته أشطر أو كلمات من لغات أجنبية »

ص 98، ومن هذا الشعر هذا البيت في الديوان المذكور:

«ذهبت ناديتها مستفسرا/ فأجابت جه فه فير أن برومينادا (أريد أن أتنزه )»

في الصفحة 99.

41-Paris 1987 Gerard Genette: Seuils,Ed.Seuil, ورد قول هوك في كتاب جينية ،

ص 73.

وجدنا في أقوال القدماء ، عند أبي بكر الصولي ، ما يشير الى «العنوان »،

ولكن في سياق دال على المكاتبات والمراسلات الادارية ،

فهو يقول في «أدب الكتاب “: “يقال عنوان الكتاب وعنونته وهي اللغة الفصيحة. وبعضهم

يقول علونت فيقلب النون لاما لقرب مخرجهما في الفم لأنهما يخرجان من طرف اللسان وأصول الثنايا

العليا. وقد قيل العلوان فعودل من العلانية لأنك أعلنت به أمر الكتاب وهمن هو والى من هو.

والعنوان العلامة كأنك علمته حتى عرف بذكر من كتبه ومن كتب اليه “: أبوبكر محمد بن يحيى:

«أدب الكتاب »، نسخه وعني بتصحيحه وتعليق حواشيه: محمد بهجة الأثري،

طبعة مصورة «دارا لكتب العلمية بيروت ، ص 43 1.

42- Gérard Genette: op. ,Cit, p 82.

43Gérard Gerette: op cit., p 9:- .

44- وهو ما نعرفه في العربية كذلك ،

حيث يرد أحيانا اسم كاتب المخطوط والفراغ من عمله في الصفحة الأخيرة منه

الى غير ذلك من الأمور التدوينية التي تميز المخطوطات العربية و” تثبتها ».

يقول اسامة ناصر النقشبندي.

“وتدل أقدم المخطوطات على ان العرب استعملوا أساليب معينة في كتابة وتقنية المخطوط فيبدا

بمقدمة الكتاب أو ديباجته التي تبدأ بالبسملة والتحميد والثناء ث تعالى ورسوله وعادة ما تكون بداية

كل ديباجة متميزة عن الأخرى وقلما تشترك بداية الديباجات بين المخطوطات ثم يبدأ بذكر اسمه

واحيانا المصادر التي اعتمد عليها والتعريف بالكتاب والهدف من تأليفه ومحتوياته وعنوانه بعد عبارة “

أما بعد…” وعادة ما يتميز العنوان بأن يكتب بالمداد الأحمر، وظهرت بعد تلك الفترة صفحة تسبق الكتاب

يذكر فيها عنوان المخطوط واسم المؤلف وعادة ما كان يطب بالخط الكوفي أو بالثلث الغليظ ،

وكانت بعض العناوين تكتب بالمداد الذهبي أو الأحمر على ارضيات مزخرفة أو أن يكتب العنوان واسم

المؤلف على أرضيات مزخرفة على صفحة العنوان ، وكانت الصفحة الأولى عادة تبدأ بعد ترك فراغ من

الأعلى فتكون سطور الصفحة الأولى اقل من سطور بقية صفحات المخطوط التي عادة ما تكون

متساوية. ولم يستحسن في الكتابة ان تجزأ الكلمة ليكون جزء منها في نهاية السطر ويكمل الجزء

الثاني في بداية السر التالي وان وجدت مكر هذه الحالة في صورة ضيقة جدا حيث كان النساخ

يستعملون المد أو المط في الكتابة لتلافي مثل هذه الحالة. كما كانت تكتب عناوين الأبواب والفصول

والمقالات في المخطوط إما بقلم يختلف سمكه عن القلم الذي يكتب به المتن أو يكون لونه بمداد

مغاير للون مداد المتن لفرض ابراز العناوين الرئيسية. وكانت الفراغات بين السطور متساوية وقد

استعملت مساطر خاصة لتسطير اوراق المخطوطات وكانت تصنع المساطر من الورق المقوى

أو الورق السميك الملصوق ثم توضع خيوط مستقيمة متساوية الأبعاد عن بعضها متساوية الأطراف

وتعطي المساطر الهيكل العام لشكل الكتابة وضبط أبعاد السطور ومقدار الحواشي التي ستترك ثم

يقوم الوراق أو النساخ بتهيئة ورق الكتابة ووضع الأوراق على المساطر وضغطها بحيث تترك الخيوط

حزوزا على الورقة مما يساعد على أن تكون الكتابة مستقيمة والسطور متساوية ومنسقة.

أما ترقيم الصفحات وضبط تسلسلها فلم يكن معروفا خلال القرون الثلاثة الأولى إلا أنهم بداوا في

أواخر القرن الرابع الهجري يكتبون الكلمة الأولى من السطر الأول من الصفحة اليسرى تحت آخر كلمة

من السطر الأخير من الصفحة اليمنى وهو ما تسمى بالتعقيبات واستعمل بعد ذلك الى جانب

التعقيبات ترقيم الأوراق زوجيا أو فرديا بواسطة رموز الأرقام. كما استعملوا النقطة كأداة للفصل بين

الجمل التي كانت على شكل دائرة صغيرة تفصل بين آيات المصاحف الى أن أصبحت على شكل نقط

في المخطوطات ، أما اذا سقطت كلمة او جملة من الناسخ سهوا فقد كان النظام أن تضاف في

الحاشية وإذا كانت الاضافات كثيرة فتوضع جزازات بين الصفحات وترى ذلك أكثر وضوحا في

المخطوطات التي تكتب بأقلام المؤلفين وعادة ما كانت تكتب القراءات والسماعات والاجازات

والمعارضات والتمليكات والتقريظات في الصفحة الأولى او الأخيرة من المخطوطات اضافة الى الفوائد

والنقول الأخرى ونادرا ما كانت تسجل على جزازات منفصلة.

أما آخر المخطوط فغالبا ما كان يذكر فيه عنوان المخطوط ودعاء ختم

الكتاب وحمد اشر تعالى على انجازه وتاريخ الفراغ من التأليف والمدينة التي كتب فيها ثم يذكر اسم

الناسخ والمدينة التي نسخ فيها الكتاب وتاريخ النسخ باليوم والشهر والسنة وعادة ما يذكر التاريخ

كتابة لا رقما ويكتب أحيانا برمز الأرقام المشرقية لحما استخدم اسلوب آخر في كتابة تواريخ

المخطوطات وذلك بتقسيم العدد الى آحاد وعشرات ومشات وألوف وتجزئتها الى أعشار وأسداس

وأرباع وكتابتها تصاعديا من اليوم فالشهر فالسنة الواحدة فالعشرات فالمئات أو تكتب على قاعدة

حساب الجمل مشرقية كانت أو مغربية. وتختم بعبارة تفيد تمامه أو اتباعه بأجزاء أخرى وعادة ما كان

يكتب آخر المخطوط بشكل مثلث رأسه الى الأسفل. اما احجام المخطوطات فكانت ذات تطوع مختلفة

ولم تخضع لمقاسات وقواعد معينة وعادة ما كان عرضها كث طولها وقد ذكر بعض المؤرخين أوصافا

لهذه القطوع ».

أسامة ناصر النقشبندي: “المخطوط العربي». موسوعة “حضارة العراق ” ، الجزء التاسع ،

نخبة من الباحثين العراقيين ، دار الحرية للطباعة ، بغداد ، 1985، ص 9/ 435 – 437.

45Lucien Febvre et Henri

– Jean Martin Lapparition du:-45Albir Michei, Paris, , 1971,p122-133.

46-الجاحظ: “رسائل الجاحظ ” ص 2/383.

ويقول الجاحظ ايضا: “كانت العادة في كتب الحيوان أن أجعل في كل مصحف من مصاحفها عشر

ورقات من مقطعات الاعراب ونوادر الأشعار لما ذكرت عجبك بذلك فأحببت أن يكون حظ هذا الكتاب في

ذلك أوفر ان شاء الله» («البيان والتبيين ” ، ص 3 / 302).

47 – قدامة بن جعفر: “نقد الشعر”، تحقيق وتعليق: د. محمد عبدالمنعم خفاجي، دار الكتب العلمية ،

بيروت د.ت ، ص 62.

48 – سبق لنا أن تحققنا من هذا الأمر في دراسة عناوين قصائد الشعر العربي الحديث: “العناوين ،

هنا (أي في نصوص مجلة «مواقف ” ، بين 1968 و 1970 )، تتألف من جمل فعلية ، وهي ظاهرة غير

موجودة مطلقا في قصائد “الآداب ” (1953 – 1954) و”شعر» (1957 – 1958)، كما أن العناوين لا

تؤلف علاقة “معنوية » (نسبة الى المعنى) لازمة مع مضامين كل من القصائد. العنوان ، هنا، اشارة

وحسب »: شربل داغر: “الشعرية العربية الحديثة: تحليل نصي. دار توبقال للنشر ، الدار البيضاء

1988،ص23.

السابق
مقالة عريقة بين ذائقة اللغة واختبارات الكائن
التالي
أفضل روايات الخيال العلمي

اترك تعليقاً