مقالة عريقة بين ذائقة اللغة واختبارات الكائن

مقالة عريقة بين ذائقة اللغة واختبارات الكائن

اق”، من الألفاظ التي لا أتوانى عن العودة إليها، في قصائد،

أو في دراسات معنية بالحسن في الآداب والفنون القديمة.

وهو لفظ، باشتقاقاته العديدة والغنية،

سقط، في جانب كبير منه، في الإهمال… بكل أسف.

ومن أراد أن ينعش ذاكرته اللغوية، في إمكانه العودة وحسب إلى “لسان العرب”.

سيجد، في المدخل المعجمي: ” ذ و ق””

الاشتقاقات التالية: ذاق، ذَوقًا، ذِواقًا، مَذاقًا، ا

لذِّواق، المَذاق وغيرها.

إذا كان أقربُ المعاني المشتقة من هذا الجذر يعني:

الطعم، سواء في المأكول أو في المشروب، فإنه يتنوع ويتسع في الاستعمالات،

ما يبلغ: امتحان الشيء واختباره

(في نوع من التوسع صوب ذوق الأشياء والأفكار والألفاظ وغيرها)،

كأن تَذُوق باللسان نطقَ حَرف، أو أن تَذُوق بقوى العقل…

وهو ما يعتلي بمعاني اللفظ ومدلولاته بلوغًا إلى تحديد الذوق بوصفه ملكة “

لِما يُكرَه ويُحمَد”. فما كان يُقال في القوس (“ذقتُ القوس، إذا جذبتُ وَتَرَها لتنظر ما شدتها”)

بات يقال في الحُكم على الكتاب والكلام وغيره، وفي كل ما يصيبه “التحسينُ” أو

“التجويدُ” في صنعه. هكذا صاحبَ اللفظُ اللسانَ في حسيته،

ليبلغ به تجليات الصنع المادية أو اللغوية.

إلا أن هذا القول لا يستقيم لغويًّا وتاريخيًّا من دون ربط اللفظ بلفظ آخر،

قد يكون السابق له: “ز و ق”، وهو المتحدر من لفظ “الزئبق”،

والمرتبط صنعا بالتصوير، حسبما ثبتَ ذلك “لسانُ العرب”

نفسه. لذلك “قالوا (في المدينة) لكل مزين مزوق”. ويتأتى “الزاووق”

، حسب تعريف الجوهري، من عملية الإذابة الجارية تحت النار القوية، “فيذهب منه الزئبق ويبقى الذهب”.

من يتتبع اشتقاقات هذا اللفظ، يجدها موازية لاشتقاقات ومعاني “ذاق”،

فيصحُّ في: “زوق” استعمالها للزينة، ولِما يتمُّ تحسينه مثل الكلام وغيره.

وهو ما يجده الدارس، في استعمالات للفعل واشتقاقاته إثر العهد النبوي،

في كراهية “تزويق المساجد”،

على سبيل المثال. ومن يتابع ويدقق قي استعمالات الجذر “زوق”

سيجد أنها أكثر توسعًا من اشتقاقات الجذر السابق؛ بل أكثر من ذلك:

سيجد أن اشتقاقات “زوق” واستعمالاتها ستصيب المنتجات القابلة للتحسين والزينة،

مثل الكلام والكتاب وزينة السقوف وغيرها.

هذا يوفر، عبر اللفظَين المذكورَين، شجرة مفهومية ودلالية، ذات أساس تاريخي،

لما هو الصنيع الأدبي والفني عبر الزواقة، ولما هو اختبارُ جمالِ هذا الحُسن عبر الذائقة.

أسوق هذا الكلام كله – في اختصار – للقول بأن لِما نسميه “الحُسن” أو “الجمال”

، أو إنتاجات الآداب والفنون، أساسًا اختباريًا وفلسفيًّا.

ومن يَعُدْ إلى فلسفة الجمال في الفنون وغيرها،

ابتداء من بومغارتن أو عمانوئيل كانت وغيرهما، سيجد بأن “الحُكم”

على الأشياء والأعمال والمصنوعات،

يقوم وفق علاقة اختبارية هي في أساس الحُكم الجمالي عليها.

وهو ما جعلني أتحدث في عدد من كتبي ودراساتي عن “الذائقة”،

بوصفها المَلَكة القادرة على إبداء الرأي والحُكم في ما تستحسنه أو تستقبحه.

 

السابق
أجمل أقوال مصطفى محمود عن الحياة
التالي
مقالة حول تكوين الدواوين والمجموعات الشعرية

اترك تعليقاً