
كنت بإحدى الأيام بالعزاء، لقد ذهب ليواسي أحد جيرانه في ابنه ذي الثمانية عشرة أعوام، والذي لتوه تخرج من الثانوية العامة وحصل على ترتيب والتحق بكلية الطب، إنها حقا مأساة أوجعت قلوبنا جميعا.
ذهب الجميع لوالده الذي أصبح شيخا عجوزا والأحزان كسرت ظهره، الكل يواسيه ويحاول يخفف عنه من شدة الآلام التي وقعت عليه؛ جلست بجواره لقد كان يبكي بكاءا حارا والدموع تكاد لا تجف من عينيه؛ لقد تعذب وتوفي ابني قرة عيني، الابن الوحيد الذي كان على هذه المقربة من قلبي دونا عن بقية إخوته، إثر ذنب لي فعلته منذ ثلاثون عام مضوا.
نعم، فمنذ ثلاثون عاما كنت في مقتبل عمري شاب أهوج طائش ينظر للجميع بأنفة ولا يرى بكل الحياة أحدا غيره، كان والدي لتوه اشترى لي سيارة جديدة على أحدث موديل، وكنت ذات مرة أسير بها على الطريق ومر حينها من أمامي كلبة أم تقود من خلفها جراها الصغار، انتابني بداخلي تذوق شعور كيفية صدم أحد ما والقضاء على حياته، ومن ثم فكرت في كيفية حال الكلبة الأم إن صدمت صغير لها.
وبالفعل عقدت النية وأسرعت بالسيارة وصدمت آخر جرو لها، لقد تناثرت أشلاء جسده أمام عيني أمه، والتي كادت تفقد صوتها من حدة النباح والصياح على صغيرها الذي قتل أمام عينيها ولم تستطع فعل أي شيء لأجله.
ومن يومها تسير حياتي بشكل طبيعي حتى أمس، لقد أرسلته للجهة الثانية لتصوير بعض الأوراق الخاصة بالجامعة، وقبل أن يعبر الطريق راقبته يمينا ويسارا، ولم تكن هناك أي سيارات به، وما إن توسط الطريق حتى جاءت سيارة مسرعة كالرياح العاصفة صدمته، تناثرت أشلاء جسده حتى ارتطمت بي، والدم أصبح مغطيا لكل الأرجاء، حينها فقط تذكرت ما فعلته بالكلبة منذ ثلاثين عام، وكيف قطعت قلبها واعتصرته عصر على صغيرها.
الآن أدرك أن الله سبحانه وتعالى لا يضيع حق مظلوم، وأنه سبحانه وتعالى يأتي بحقه حتى وإن مرت السنون