من اجمل القصص.. قصة بين سِواكِ و سِواكِي

من اجمل القصص.. قصة بين سِواكِ و سِواكِي

فاطمة و عليّ زوجان مثاليـان . لـقد جسّــدَا المـودّة و الرّحمـة طـوال الـعـشـرة، والّـتي فـاقت ثـلاثـة عـقـود .

– في يوم من الأيّام .ومن باب المرح.اِتّفـقاعلى ألاّ يكلّما أو يذْكُرا بعضَيْهـما البعـض عن قرب أو بُعد

لاختبار مدى صبـر كـلّ منهـما على الآخر. و مـنْ يُـخـطِئْ أو لـمْ يُطِقْ.. يدفـع غرامة مالية معتبرة

يـقـتسمهـا الأولاد . والّذيـن حضـروا الإتّـفاقـية المبرمة بين الوالدين وقاموا بتنصيب أجـهـزة التّـسجـيـل

كدليل إثـبـات بكامل زوايـا البيت .

مـرّت ساعات . تلتها أيّام . ثمّ أسابيع . فاشتـدّ الصّراع. حيث أبديا الصّبرالمنبثق من رحِم التّحدّي .

– الزّوج يخاطب نفسه : أما قيل : الأزمة تلِد الهمّة ؟. ويْحي .. ما مَحلَّي من هذا الحكـمة ؟

وراح يلوم فِكره. عــارٌ عليك و عار. لقد تركتني محتارا.مُنهارا. فبينما هو يردّد و يفكّر في ايجاد حيلة

تنجيه من المأزق. إذْ. خطر بباله ما لم يكن في الحسبان . وَجدْتُها .. وجدتها .

أخيرا وَجدْتُها . حمدًا لك يا ربّ .

– للــغــد . أعــدّ و اسْــتَــعــــدّ .

– دخـل حمّـام الـدّار. أغلق الباب و شـرع في التّكلّـم مـزْهُـوٌّ لِـثِـقـتِـهِ بِتحقيق ما يصْبو إليه.

– سـبحان مـنْ سَــوّاكِ . سـبحان مـنْ سـوّاكِ . يا ملاكي .

أيا منْ اِسـتـعـانتْ بكِ أمّـي في الشّدة. هـويتُ وَ أَهْـوَى و سَأَهْـوَى سِواكِ .

سِـــواكِ … سِـــواكِ . بَعـدكِ ســواكي

مــاذا أهــدي لكِ ( خَـفًّـض الصّـوت) يــا هـلاكي ؟

– مـاذا أهــدي لكِ يا هــلاكــي ؟

– أحْرَقْـتِ أَمَلي تنامى ألمـي . أَأُهـدِي ماءَ سَـمْ هَـمْ ؟ أمْ نافورةَ عِـطرٍ؟ يا هلاكي.

– فرِحتِ الأمّ و راحت تــزفّ النَّـبَـأَ للأبـناء فسُـرّوا بـه حُبّـا و انحِيازًا لها .

– اِجتمـع كافّة أفراد الأسـرة لتغريــم الوالد .حيث أسمعوه ما تـفـوّه بـه .

ضحـك وعلامة السّــرور بــاديــة على وجهـه.

الأولاد : عجب .عجب أيّها الأب. متى أحبَّ فـؤادُك الهزيمةَ وقد عهـدناك على ذمّها ؟

الأب : ليستِ الأيّام دُوَلا. بـلِ ِ الدّقائــقُ

1. و أخرج الحقيبة اليدوية و الكلّ راضٍ بأحقّية الأمّ فيما ينتظرونه من كسب .و قـدّمـهـا لهــا .

– فـتـحـتـها الأمّ فـلم تجـد إلاّ قصّاصـة كُتب عليها : وعْـدُ الحُـرّ.. دينٌ عليه .

أنا في انتظار تسديده لِي. تعجّبـوا واسـتـفـسـروا الأمْـرَ الأمَـرَّ .

الأب : هُـزِمـتِ الوالدة و الولد و انتصــر الوالد بـمـا قد أعــدّ . و شرع فـي ســردِ تفـاصيل المكيدة .

إلاّ أنّـهم عـجزوا على فهــم المعــانـي فَـطالبوه بــإعادتـهـا مـع الـشّـرح . فكان لهم مــا أرادوا.

تعْلمـون يـا أولادي ما ورثت من والدي . مزرعة مشجّـرة . أفضّل واحدة غَـضّـة الأفـنان ( 2 ) فـهي

أمانـة كونها وصِيـة الوالد حُسنـا بها . خاطبتهـا :

سـبحان مـنْ ســوّاكِ . سـبحان مـنْ ســوّاكِ . يا ملاكـي .

كـوْن أمّي لطالما اِستعانتْ بها في شدِّ(ربط البقرة) حين تـتـمـرّد أثناء حلبهـا.

أحْبـبتهـا فقلت : هــويــتُ وَ أَهْـــوَى و سَــأَهْــوَى سِـــواكِ .

– طيّــبـة لأنّـهـا شـجـرة ســواك.

– هــويــتُ وَ أَهْـــوَى و سَــأَهْــوَى سِـــواكِ .

سِـــواكِ … سِـــواكِ . بَعـدكِ ســواكي ( أقـصد عـودَ الــسِّـواك )

مــاذا أهــدي لكِ يا هـلاكـي. ؟ تخيّلتُ الشّـجــرة مـحـتــرقــة فعاتبْـتُ النّارَ : يا هلاكي

أحْرَقْـتِ أَمَلي فـتنامى ألمـي : كانت مصدر رزقـي .

أَأُهـدِي ماءَ سَـمْ هَـمْ ؟ لقد خفّـضتُ صوتي بنطق ( سـمْ هَـمْ ) حتّى تظنّ أنّها ( ماء زم زم )

بما أنّ النّـار عــدوّة. هـديّــتي المفـضّلة الماء . فهو سَــمُ المنتقـم .

– أمْ نافــورة عِـطــرٍ؟ يا هـلاكي.

– نافـورة بدل قارورة لـتضليل القارورة ( أقصد الأمّ ) وتقع في الفـخّ .تلك هـديّتها المحبوبة .

أمّـا قولي : لقد نمّيتِ الأشواكَ . حتّى تظـنّ أنّـها أشـواق .

الأولاد : و لمَ وظّفـت كلمة نافـورة ؟

الأب : لأنّ الـقــارورة لا تطفئ النّار يا أولاد.

– ذا مفتــاح الـحــمّــام . خــذوه وافـتحـوا الباب .تمـعّـنـوا دلائـل الصّـواب من عدمه .

أنــا هــنــا قي انتــظار الجواب .

– اِنبـهـر الجميع لمُعلّقات الأب على الجدار الّـتي خاطبهــا و المتمثّلــة فـــي :

صورة شجرة السّواك بجانـبهـا عـود سواك خـاصّ بـه . يعرفه الجميع.

– صـورة شـجـرة محتـرقـة بجـانبـهـا نـار.

– عــادوا و الـدّهشــة قــد عــقــدت ألسنتهـم ليَـقـِـيـن الهزيمة الّتي منِـيُـوا بهــا.

شـجّـعـهـم الأب على نسـيـان الخيـبــة و قـــال :

منْ فـاتــك بِلــيْــلــة ….. فــاتــك بـحِــيــلَــــة

الكــلّ : صــدقتَ .. صــدقتَ و صــدقتَ حين قلــتَ : الدّقائــقُ دُوَل . الاِنتصار صار انكـســارا .

الأولاد : تبّـا لكَ يا شـعـور . بيننـا شـاعـر فـاق الأصمعي (3) و لم نـشعـرْ بـه .

الأب : يضحك . اِلتفت إلى الزّوجة و قـال :

أيّتها القـوّامة .لقد بِـعْـتِ جِلد النّمـر قبل اصطياده. ما كنتِ لوّامة حتّى ألـومــك .

الزّوجـة : نـعــم .. نعـم . إنّه الغـرور . مُعْـمـي الصّدور.

آهٍ ..عـلـيـكِ يا أمّ الـنّدامة (4) أيا منْ بكِ الكثير اصطـدمَ .. رِفـقـا بـبنــي آدم .

أضـافت بعدما هــدأت : المُـؤمن لا يُـلدغ من الجُحْر مرّتين .

الزّوج : حـرّة .. حـرّة .ليستِ أوّل مرةّ . فما دمتِ قدِ اعترفتِ . سـأتنازل عن الرّهان . إضـافـة للمحـبّة بـرهـان .

البنــات : صنيعـكَ أعـدم كــيْــدَ الإنــاث.

الأب : لا .. لا .. ولا . فـهــو حـيّ . بــاق إلى يــوم الـتّــلاقـي .

الـهــوامــش :

1) الأيّـام دُوَل : تـتـداول . تتـغـيّـر . يوم لك ويوم عليك .

2) غضّـة الأفـنـان : طريّـة الأغـصان .

و منــه قول الشّـاعر المهجري إلـيـا أبو ماضـي : في قصيدته التّينـة الحـمقــاء.

و تينةٍ غَضّةِ الأفنانِ باسِقـةٍ // قـالت لأتْرابِها و الـصّـيفُ يَحْـتَضِــرُ

3) الأصمعـي : شـاعـر – عالم لغوي ، ناقد . ملقّب بشيطان الشّعر.و المعروف بقصيدته المشهورة

( صــوت صـفـيـر الـبـلـبـل ) .

4) أمّ الـنّـدامــة : الـعـجـلــة .

السابق
قصة الأميرة ميراندا والأمير هيرو
التالي
نظرة شاملة في حياة أبو نواس شاعر الخمر وشخصيته وشعره

اترك تعليقاً