أغرب واعجب قصة من حكايات الف ليلة وليلة.. قصة حلاق بغداد 

أغرب واعجب قصة من حكايات الف ليلة وليلة.. قصة حلاق بغداد

غضب ملك الصين غضبا شديدا ، وهدد الأربعة المتهمين بقتل مهرجه الأحدب بالشنق ،

إذا لم يقصوا عليه حكاية أعجب من حكاية موت الأحدب .. فتقام الخياط ليحكي حكايته قائلا :

اعلم يا ملك الزمان أنني كنت مدعوا إلى وليمة ، من عدة أيام ، وأن هذه الوليمة قد ضمت ضيوفا من

بلاد مختلفة .. فلما وضع الطعام دخل علينا أحد المدعوين ، وكان شابا أعرج من (بغداد) وهم بأن

يجلس ليأكل معنا ، لكن انتفض واقفا في فزع ، كأن عقربا لدغته ، وراح يستعيد بالله ،

ثم قرر مغادرة المكان على الفور ، بعد أن رأى حلاقا يجلس بيننا .. ومن الواضح أنه كانت هناك سابق

معرفة بينهما ..

فتعجبنا من ذلك ورجوْناه أن يجلس ليأكل معنا ، وحلف عليه صاحب الوليمة أن يبقى ، فقال الشاب

الأعرج وهو يشير إلى الحلاق : لا أستطيع أن ألدغ من هذا الحلاق مرتين .. لقد أخذت على نفسي

عهدا ألا أجلس معه ، أو أتحدث إليه أو أتعامل معه ماحييت، أو أسكن معه في بلد . ولقد تركت (بغداد)

هربا منه ، وطالما أنه جاء إلى هنا ، فلا بقاء لى في هذا البلد ، فقد كان هذا الحلاق سبب عرجي ،

وكسر رجلي ..

فتعجب الجميع من ذلك ، وطلبنا من الضيف الأعرج أن يحكي لنا حكايته مع حلاق (بغداد) فتغير لون

الحلاق واصنف .. أما ضيفنا الأعرج فقد بدأ يحكي حكايته قائلا : كان والدي من أكبر تجار (بغداد) وعندما توفي ترك لي تجارة رائجة ، وأموالا كثيرة ، وترك لي خدما وحشما ، فكنت أرتدی أفخر الملابس ، وأكل أحسن الطعام ، ولم أكن قد تزوجت بعد … وذات يوم كنت سائرا في أحد أزقة (بغداد) فرأيت فتاة كأنها البدر في ليلة تمامه ، وهي تسقی زرعا لها في شرفة منزلها ، ثم اختفت داخل منزلها ، فقلت في نفسي : هذه الفتاة أتخذها لى زوجة .. وبينما أنا واقف أتأمل البيت رأيت قاضي القضاة راكبا بغلته ، يتقدمه عبيد ، ويسير خدم .. ثم نزل قاضی القضاة عن بغلته ، واتجه إلى داخل المنزل ، فعرفت أنه أبوها ، وقلت في نفسي : أصاهر قاضي القضاة ..

وهكذا عدت إلى بيتي سعيدا ، وأنا عازم على خطبة ابنة قاضي القضاة ، ولكن كيف السبيل إلى ذلك ؛ عندما فكرت في الأمر ركبني الهم والغم ، حتى مرضت وتزمت الفراش من الفكر .. وكان من ضمن خدمي سيدة عجوز ، هي التي ربتني بعد وفاة أمي ، فكانت في منزلة أمي ، فلما رأتني على هذه الحال سألتني عن سبب همي وغمي، فأخبرتها أنني أريد الزواج من ابنة قاضي القضاة ، لكنني أخشى أن يرفضني أبوها ، فطمانتني قائلة : إنها كثيرة التردد على بیت قاضي القضاة ، وعلى علاقة طيبة بالفتاة ، وإنها تستطيع استطلاع رأي الفتاة ، قبل أن أتقدم لأبيها .. فلما سمعت ذلك منها كدت أطير من الفرح وزایلني الهمم والمرض ..

وبعد عدة أيام انطلقت العجوز إلى بيت قاضي القضاة ، وقابلت الفتاة ، وحددت معها موعدا للقائی والتحدث معي في بيتها ، يوم الجمعة ، قبل الصلاة .. فلما سمعت منها ذلك قدمت لها كل ما كان في كيس نقودي من دنانير مكافأة لها .. وجلست أنتظر قدوم يوم الجمعة بفارغ الصبر .. فلما كان يوم الجمعة، بت بالذهاب إلى ثم عدت إلى بيتي ، وطلبت من أحد خدمي أن يحضر لى حلاقاً ، حتى أقص شعري ، وشرطت عليه أن يأتي بحق قليل الفضول ، قليل الكلام ، حتى لا يضيع وقتي ، ويصدع رأسی بكثرة كلامه وثرثرته ..

فعاد الخادم ومعه ذلك الحلاق المشئوم .. فلما دخل سلم على وقال : أذهب الله عنك الهم والغم والبؤس والأحزان یا سیدی .. فقلت له : تقبل الله منك .. فقال لي : أبشر يا سيدي ، فقد جاءتك العافية على يدي .. هل تريد تقصير شعرك ، أم إخراج دم فاسد من رأسك ، فإنه ورد في الأثر ، أن من قصر شعره يوم الجمعة أذهب الله عنه سبعين داءً .. وورد في الأثر أيضا أن من احتجم يوم الجمعة فإنه يأمن كثرة المرض ، وذهاب البصر .. فقلت له : دع عنك هذا الكلام ، وابدأ في حلق رأسي على الفور ..

فقام ذلك المشئوم الجالس أمامكم ، وأخرج من حقيبة أدواته(اصطرلابا) يتكون من سبع صفائح ، واتجه إلى فناء الدار ثم راح يتأمل شعاع الشمس وقال لي : اعلم يا سيدي أنه مضى من يومنا هذا وهو يوم الجمعة العاشر من شهر صفر ، سنة ثلاث وستين من الهجرة النبوية المباركة ، مضى سبع درجات ، وست دقائق ، حسب ما أوجبه علم حساب المريخ ، وحلق الشعر في هذا الوقت مبارك جدا .. والأهم من ذلك يا سيدي أن هذا يدل عندي على أنك تريد القدوم على شخص مسعود .. ولكن هناك أمورا خطيرة لن اذكرها لك .. فقاطعته قائلا : لقد أضجرتني ، وأنا لم أطلبك إلا لتحلق لي رأسي .. فقال : لو علمت حقيقة الأمر ، لطلبت مني الزيادة ، ولذلك فأنا أشير عليك أن تعمل اليوم بمشورتي لك ، وبما أمرك به من علم حساب الكواكب ، فإني لك ناصح أمين ، وأود أن أكون في خدمتك سنة كاملة ، حتى تنتفع بعلمي ، ولا أريد منك أجرا على ذلك ..
فقلت له في نفاد صبر : إنك قاتلى اليوم لا محالة ، بكثرة فضولك وثرثرتك ..

فضحك ذلك المشئوم وقال لي : كيف تقول ذلك يا سيدي ، وأنا الذي يسميني الناس (الصامت) لقلة كلامي من بين إخوتي السبعة جميعا .. فصيحت ناهراً إياه في غضب : وهل لك إخوة هم أكثر منك فضولا وثرثرة ؟! فضحك في برود وقال : نعم وسوف أحدثك عن كل واحد منهم بالتفصيل حالاً.. فصيحت فيه : لقد انفطرت مرارتي من ثرثرتك ، فهل تريد أن تقتلني بحديث عن إخوتك ! خذ ربع دينار وانصرف عنى لوجه الله ، فلا حاجة لي في حلق رأسي .. لقد غيرت رأیى ، وأنا أعتذر لك عن إحضارك .. فقال ذلك المشئوم بمنتهى البرود : يا سيدي أنت لا تعرف منزلتي ، فإن يدي تقع على رأس الملوك والأمراء والحكام والوزراء كالبلسم الشافي .. فقلت ناهراً : لا حاجة بي إلى بلسمك الشافي ، لقد ضاق صدري منك ..

فقال بمنتهى البرود : أظنك متعجلاً يا سيدي ؟ فقلت له : نعم .. نعم ، وأنت تضيع وقتي بثرثرتك الفارغة .. فقال ببروده المعتاد : تمهل يا سيدي فإن العجلة من الشيطان ، وفي العجلة الندامة .. وأنا أريد منك أن تصارحني بحقيقة أمرك ، ولماذا أنت متعجل هكذا ، حتى أرشدك إلى الصواب ، لأنني أخشى أن يصيبك من ذلك مكروه ، فتندم عليه حين لا ينفع الندم .. وأمسك الموسى، ليحلق لي شعري ، لكنه ألقى به بسترعة ، وأخذ (الاصطرلاب) ومضى إلى الشمس ، فأخذ يقيس شعاعها ، ثم عاد ، ليقول لي : قد بقي على وقت صلاة الجمعة ثلاث ساعات لا تزيد ولا تنقص، فما هو الأمر المهم الذي يشغل بالك ، ويجعلك متعجلا هكذا ؟؟ فقلت له في غضب : اسكت .. لقد فتت کبدي ، ويبدو أنه خجل من نفسه أخيراً ، لأنه أخذ الموسی وراح يسنه ببطء ، ففرحت وقلت في نفسي : الحمد لله ، ها هي ذي بوادر الغمة ، توشك أن تنزاح عني ..

وقد زادت سعادتي ، عندما بدأ يحلق شعرى ، لكن سعادتي لم تدم طويلا ، لأنه توقف عن الحلاقة ، وعاد إلى ثرثرته قائلا : أنا مهموم من تعجلك الحلاقة هكذا بدون سبب .. لو أطلعتني على سبب تعجلك ، لكان خيرا لك ..ولتعلم يا سيدي أن المرحوم والدك لم يكن يفعل شيئا إلا بعد مشورتي .. فلما سمعت منه ذلك قلت له : وهل كنت تعرف والدي ؟ فقال بكل برود : نعم .. لقد كنت أنا حلاقه الخصوصي .. فقلت في غيظ : هذا يفسر موته مبكرا .. لا بد أنه مات كمدا منك وحسرة من فضولك وثرثرتك .. وقلت في نفسي : قد قرب وقت الصلاة ، وذلك الأحمق قد شوه شعري ولا يريد أن ينتهي من حلاقته .. كيف أتمكن من لقاء الفتاة ، قبل أن أقابل والدها ، خطبها منه ؟! ذلك الأحمق سيفسد كل شئء بتلكنه وثرثرته ..

ويبدو أن ذلك الفضولئ قد قرأ أفكاري ، لأنه بادرني قائلا : دع عنك الكتمان یا سیدی ، وصارحني بكل شيء .. فقلت له كاذباً : بصراحة أنا مدعو إلى وليمة عند بعض أصدقائي ، وأريد أن أمضي إليهم بسرعة .. فلما سمع ذكر الدعوة والوليمة زاد فضوله ، فقال لي ، وكانه تذكر شيئا فجأة : نهارك مبارك يا سيدي .. لقد ذكرتني بشيء مهم غاب عن بالي، وكدت أنساه .. فقلت في نفسي : مصيبة جديدة وحطت على رأسي .. أما هو فاستمر قائلا : لقد عزمت جماعة من أصدقائي على الغداء اليوم ، لكنني نسيت أن أجهز لهم شيئا يأكلونه .. ماذا أقول لهم ، إذا حضروا للغداء ، ولم يجدوا ما يأكلونه ؟! وافضيحتاه .. فقلت له مطمئنا ، حتى يمضي في حلاقة شعري : لا تحمل هما ، فأنا مدعو إلى الغداء عند أصدقائي ، وكل ما في بيتي من طعام وشراب هو لك لتطعم به أصدقاءك ، بشرط أن تسرع بحلاقة شعري ..

فزاد فضوله وقال في دهاء: جزاك الله خيرا يا سيدي ، صف لي ما عندك من طعام حتى أعلم أيكفي ضيوفي أم لا .. فقلت لأرضيه : عندي خمسة أوان كبيرة بكل منها صنف من الطعام ، وعندى خروف مشوى ، وعشر دجاجات محمرة ، عدا ثلاثة أصناف من الحلوى وصفان من الفاكهة .. فبان الجشع في عيني ذلك اللئيم وقال : مر خدمك أن يحضروا كل هذه الأصناف حتى أراها وأطمئن عليها .. فأمرهم أن يحضروها ، فلما رآها اطمأن وأخذ يتذوق الأطعمة ، بعد أن رمى الموسى قائلا : لا أدري كيف أشكرك يا ولدى ، لأن ولیمتي صحابي اليوم كلها من بعض فضلك وإحسانك ، وليس في أصدقائي واحد يستحق كل هذا الطعام الفاخر .. فقلت متهما : ومن يكونون أصدقاؤك هؤلاء يا ترى ؟؟

فهرش ذلك المشئوم رأسه وقال : إن أصدقائي خليط من العجب .. فمنهم (زيتونة الحمامی) و(صيلع الفسخانی) و(سيلة الفوّال) و(عكرشة البقال) و(حميد الزبال) و(عكارش اللبان) و(سيود العتال) و(قسيم الحارس) و(كريم السّاائس) وأجمل ما فيهم أنهم قليلو الكلام ، لا يعرفون الفضول مثلي تماما .. ولكل واحد منهم أغنيته المفضلة ورقصته التي لا يجيدها أحد سواه ، ونكاته التي تفرح المهموم وتزيل الكرب عن المكروب .. فقلت له متهكما : يا لها من صحبة من علية القوم ! فقال : ليس من رای كمن سمع .. ولذلك فأنا أقترح عليك يا سيدي أن تترك عزومة أصدقائك ، وتأتي معى لمشاهدة أصدقائي والتعرف إليهم …

فقلت له في غيظ: ليس اليوم ، بن دعني أمضي إلى أصدقائي وتمضي أنت إلى أصدقائك .. أسرع بحلاقة شعري ، حتى لا تتأخر .. فقال ذلك المشئوم في بروده المتناهی : طالما أنك مصر على عدم حضورك معي ، فانتظرني یا سیدی ، حتى أحمل هذا الطعام وأذهب به إلى أصدقائي ، فاتركهم يأكلون ، وأعود الأذهب معك إلى وليمة أصدقائك .. كدت أن يغمى علي من الصدمة والدهشة ، وقلت له في غيظ : لم تنه حلاقة شعري ، وتصر على الذهاب معي ! إنك أوقح إنسان رأيته في حياتي

السابق
الشعر العربي ونهضته الحديثة
التالي
من اجمل القصص قبل النوم.. قصة مصباح الشارع القديم

اترك تعليقاً