سيرة شاعر في مسيرة وطن.. الشاعر زكي عمر

 سيرة شاعر في مسيرة وطن.. الشاعر زكي عمر

تستطيع أن ترى هذا الكتاب «تحقيقاً استقصائياً»، فهو مكتوب بتقنيات سينمائية، ولغة شعرية نحتها مؤلفه خيري حسن، وهو يسعى إلى إثبات

حق ضائع منذ ستينيات القرن الماضي، ومن ثم إعادته إلى صاحبه، بشتى الطرق، حتى لو كان قد فارق الحياة منذ حوالي 40 سنة. الكتاب

عنوانه «يا صاحب المدد سيرة شاعر ومسيرة وطن»، عن الشاعر المصري الراحل والمسرحي زكي عمر (1938 ـ 1987) الذي حوصر في وطنه

وخرج إلى منفى اضطراري هو اليمن الجنوبي، أيام كان هناك (يمن جنوبي وآخر شمالي)، ومات غريقاً على شاطئ المحيط البعيد.

مأساة تفتحت مبكراً في وجه زكي عمر المولود في قرية كفر الأعجر في الدقهلية؛ قرية فقيرة شأن آلاف القرى في مصر، لكنها تُدهشك حين

يخرج من ترابها شاعر مثل زكي عمر، يكتب بالعامية المصرية، أبوه «عاش بلا عمل، وبلا أرض، وبلا بيت، هكذا تركه أبوه، وكان عليه أن يعمل

أجيراً، أو عاملاً زراعياً، بسبعة قروش في اليوم، لكن هذه القروش لم تكن تكفيه»، هذا الرجل ـ كما كتب زكي عمر في أوراقه التي عثر عليها

خيري حسن ـ «علمني ما لم أتعلمه في مدارس المدينة، شدني إلى قريتي وكل قرى مصر، حيث الفلاحون والأجراء والليل الذي ينتظر النهار».

كتب زكي عمر قصيدة لأمه من أجمل ما كتب عن الأم: «ما كنتش تحب اللون الباهت/ ما كنتش تحب المية الفاترة/ وكانت/ لما بتكره تكره موت/

وأما تحب تحب صبابة/ وأما بتحزن تبقى ربابة/ وأما بتفرح يبقى الفرح على البوابة/ كانت زي الشمس وكانت/ لما بتغضب تبقى مهابة».

وفي أوراقه الشخصية يكتب عن أمه: «كانت عكس أبي، فهي امرأة طيبة ومسالمة، عاشت معه الصعب بشجاعة نادرة، وعلى الرغم من

سنين التشرد والجوع والفقر، لم ألحظ في عينيها دمعة، صابرة كانت أمي دائماً، وهذا شيء لا أحبه ولا أطيقه.. لماذا لم تغضب؟».

في هذه البيئة عاش زكي عمر: «في طفولتي لم أضحك لم ألعب لم أفرح، وقد يكون هذا هو السبب في أنني أضحك الآن من كل قلبي وأغني

وأرقص وأبحث عن لحظة السعادة لأعيشها، اليوم أحب الحياة وأحب كتابة الشعر، أنا لم أتعلم في المدارس شيئاً يفيد الفلاح، كل ما يهم الفلاح

تعلمته من الشارع والغيط والناس».

هذا أيضاً مما دفع زكي عمر للبحث عن الحرية، حتى لو كانت في آخر بلاد الله، فهو كما يقول عن نفسه: «أنا أرفض أن أمارس الحياة على

طريقة أمي التي ماتت ونفسها في جلابية «سكاروتة».. أنا أكره النفاق والكذابين».

عاش زكي عمر في قريته وهو يتمنى لها أن تضاء بالكهرباء، وتمنى أن يبني فيها بيتاً، ويعيش مع الفلاحين، ويتوقف عن التوقيع في دفتر

الحضور والانصراف، حيث كان يعمل في التفتيش الزراعي بمدينة دكرنس، فهو كما يوضح «موظف فاشل، لكن فنان».

وقد أتيح له أن يتفرغ لفنه بقرار من محافظ الدقهلية آنذاك، حين عرض له أكثر من مسرحية بإخراج عبد الغفار عودة.

كان من الممكن أن يكون لدينا شاعر كبير، لا يختلف عن الأبنودي وجاهين وحداد، لولا أنه تعطل كثيراً في سكة البحث عن حقه في أغنية

«مدد مدد شدي حيلك يا بلد.. إن كان في أرضك مات شهيد فيه ألف غيره بيتولد»، التي كان يغنيها الفنان محمد نوح في كل مكان بعد هزيمة 67

حتى البارات والكباريهات كانت جدرانها تحفظ كلمات الأغنية التي أنكرها نوح على صاحبها، ونسبها إلى شاعر آخر، كان يمكن لهذه المأساة أن

تنتهي لو أن الشاعر الذي نسبت إليه القصيدة، أنكرها.

 

السابق
فى مثل هذا اليوم .. 4 أحداث تاريخية هامة من ذاكرة التاريخ.. اندلاع ثورة القاهرة ضد الحملة الفرنسية.. الألمان يرتكبون مجزرة بصربيا.. المجلس الانتقالى الليبى يعلن مقتل القذافى.. والملكة إليزابيث تفتتح دار أوبرا سيدنى
التالي
من هو ترومان كابوتي

اترك تعليقاً