نبذة عن اجمل تحدى .. قصة عناد نجيب محفوظ وستيفن كينج وأحمد خالد توفيق
يمكنك أن تتخيّل معي أنك ذهبت لزيارة شخص ما لا تعرفه، لأي سببٍ كان، ووقفت أمام الباب،
وضغطت الجرس. ما سيحدث هو أحد السيناريوهات التالية:
السيناريو الأول: أن يكون الشخص مستيقظًا وبالقرب من الباب فيفتح لك دون تأخير.
السيناريو الثاني: أن يكون ذلك الشخص مستيقظًا، لكنه بعيد عن الباب؛ فيأخذ لحظات حتى يفتح لك.
السيناريو الثالث: أن يكون ذلك الشخص نائمًا، أو مريضًا، أو ذو سمع ثقيل، أو يشعر بالكسل؛
مما يضطرك لأن تضرب الجرس أكثر من مرة، وتطرق الباب كثيرًا حتى يفتح لك في النهاية.
نعم، عليك أن تملك عناد الثيران؛ فأنت لن تنصرف حتى يفتح لك الباب. مهما كانت الموانع التي تمنع
ذلك الشخص من فتح الباب لك؛ فتحت إصرارك سيضطر لفتح الباب حتى يتخلص من هذا (اللحوح)،
الذي هو أنت بالطبع!
تخيّل أن ذلك الشخص الذي يفتح لك هو النجاح نفسه!
في السطور التالية سنتحدث عن ثلاث نماذج ناجحة جدًا في عالم الأدب: نجيب محفوظ، ستيفن كينج،
أحمد خالد توفيق، وسنرى ما الذي يملكونه من عناد الثيران، حتى صاروا نجومًا في عالم الأدب. هل
أنت متحمس؟ فلنبدأ…
نجيب محفوظ – مفترق الطرق
قصة عناد نجيب محفوظ
“أتعلم ما الذي جعلني أستمر ولا أيأس؟ لقد اعتبرتُ الفن حياة لا مهنة؛ فحينما تعتبره مهنة لا تستطيع
إلا أن تشغل بالك بانتظار الثمرة، أما أنا نفسي فقد حصرتُ اهتمامي بالإنتاج، وليس بما وراء الإنتاج.
كنتُ أكتب وأكتب، لا على أمل أن ألفت النظر إلى كتاباتي ذات يوم، بل كنتُ أكتب وأنا معتقد أني
سأظل على هذا الحال دائما. أتعرف عناد الثيران؟ إنه خير وصف للحالة النفسية التي كنتُ أعمل
بتأثيرها”. جزء من حوار لنجيب محفوظ مع فؤاد دوارة
كان نجيب محفوظ مدمنًا على قراءة الروايات البوليسية في صباه، لدرجة أنه كان يُعيد كتابة بعضها مرة
أخرى، ويكتب” تأليف نجيب محفوظ”! كذلك قام بكتابة قصة حياته في كراسة عنونها بـ (الأعوام)؛
متأثرًا بطه حسين حين كتب سيرته الذاتية في الكتاب المشهور” الأيام”.
لكنه لما بلغ من العمر 25 عامًا(1936) كان عليه أن يتخذ قرارًا مصيريًا: هل يُكمل في طريق الفلسفة،
الذي يُعتبر تخصصه وشيئًا يعرف الكثير عنه، أم يخوض غمار الأدب؟
كان وجه الصعوبة في اختيار نجيب مجال الأدب أن الرواية في ذلك الوقت لم تكن راسخة القدم،
بل كانت أشبه بالسيرة الذاتية، مثلما فعل توفيق الحكيم في (عودة الروح)، ومحمد حسين هيكل في
(زينب)، وطه حسين (في الأيام)؛ لهذا كانت هناك صعوبة بالغة.
لذا كان عليه أن يقرأ كثيرًا في الرواية العالمية، ومذاهب الأدب، والتراث العربي، وغير ذلك من الروافد
التي تساعد على تكوين شخصيته كأديب، أي أنه كان ينحت في الصخر لكي يشق طريقا جديدا،
سيمهده لمن سيأتي خلفه.
معضلة الوقت
كان نجيب يوافق العقاد في مبدأه بأن الأدب رسالة سامية؛ لهذا فقد سار نجيب في طريقين:
طريق الوظيفة، وطريق الكتابة الإبداعية.
كان موظفًا كفؤًا متفانيًا في عمله، وفى نفس الوقت كان يجلس على المقاهي يتابع كلام الناس
وقصصهم ما يفعلونه، وكان هذا أحد منابعه في كتابة الرواية الواقعية. المثير في حياة نجيب أنه
استغل ظروفه الغير المواتية للكتابة في صالحه، بحيث يخرج بإنتاج أدبي ممتاز.
على سبيل المثال كان مُصابًا بالرمد الربيعي، وهي حساسية تصيب عينيه؛ فكان لا يعمل في الصيف،
بل كل روائعه أنتجها في فصل الشتاء.
أيضًا كان يتعامل مع الأدب بعقلية الموظف، الذي ينظر للوقت بنظرة صارمة. فكان يجلس للكتابة في
وقت محدد، وحتى لو لم يكن لديه مخططًا للكتابة، كان يجلس ويترك نفسه للكتابة، وبهذه الطريقة
خرجت قصة مثل” حكاية بلا بداية ولا نهاية”.
الاستمرارية