قصة ثابت والريح العاتية ,كان يا ما كان في قديم الزمان، وفي احدى القرى الصغيرة التي كانت تهب فيها رياح شديدة ، فتقضي فيها على الأخضر واليابس . وفي ليلة شديدة الظلام حدث ضوضاء رهيبة وهبت رياح عاتية شديدة العنف على القرية الصغيرة ، فاقتلعت الأشجار من جذورها القوية وتكسرت أغصانها ، وتناثرت أعشاش الطيور ،
وطافت أسراب العصافير السماء ، تبحث عن مأوى لها يحميها
من الرياح العاصفة ، وانطلقت الحيوانات مندفعة هائمة هي
الأخرى باحثة عن ملاذ آمن يؤويها ، خوفًا من عصف الريح المخيف ،
فكان صوت الريح وصوت الأشياء المتحطمة وارتطامها بالأرض الصلبة
مخيف ومرعب جدًا ، حيث أيقظت الطفل ثابت من نومه مذعورًا، فدب
الرعب في قلبه فحاول الاختباء تحت الغطاء وتحت السرير
، ثم انتفض وأسرع نحو النافذة وقفز منها ، وأخذ يعدو بسرعة شديدة ،
والرياح تعدو خلفه ، ثم أجهش بالبكاء ، باحثا عن ملاذ آمن له ،
ثم عثر على مغارة صغيرة ، بابها ضيق أسفل الجبل .
وقفت الريح أمام باب المغارة ، فنظر إليها وقد جف حلقه ،
وهرب الدم فى عروقه وجحظت عيناه خوفا ، فسألته الريح قائلة : ما اسمك؟
فرد عليها مرتعشًا : اسمي ثابت.
فطمأنته الريح ، وقالت له : لا تخف فلن أمسك بسوء…
فقال لها ثابت : كيف أثق بك أيتها الريح فقد دمرتى قريتى كله.
فقالت له الريح : سوف أحميك مني ومن غضبي ولن أمسك
بأذى في الليل والظلام ، وفي المقابل يجب أن تحميني أنت أيضًا عند النهار من الشمس ، لأن الشمس اذا بزغت سوف تدمرني .
فرد عليها ثابت قائلًا : إني لا أستطيع تلبية طلبك فهو صعب تنفيذه …
فقالت له الريح : سوف أحملك معي فى الليل والظلام وأجعلك تجوب
العالم كله وترى عجائب الدنيا السبع ،فسوف آخذك معي
لترى سور الصين العظيم والأهرامات ، مدينة البتراء والبحر الميت
وكل بقعة فى أرجاء المعمورة . ظل ثابت يفكر مليا ثم واقف على
، ثم انطلقت فرحة تجوب البلاد وبعد البلاد ، وشاهد ثابت
أروع البساتين وأروع المناطق والبحار والأنهار والغابات ،
وتذوق ثابت أشهى الأطعمة ، حتى أصبح ثقيلًا وسمينًا .
مرت الأيام كلمح البصر حيث شعر ثابت تغيير ملامحه ،
أصابعه الناعمة أصبحت خشنه وصوته تغير ، إرادته تلاشت واختفت
ملامح الطفولة من وجهه ، حتى الريح تغيرت فقد أصبحت أكثر شدة
حتى أنها لم تعد تخشى الشمس فى وضح النهار .
أدرك ثابت أنه فى ورطة مع تلك الريح القوية ، فقد حن إلى قريته الصغيرة ، وإلى لعبه والي سريره وإلى أهل قريته الطيبين ، وأخذ يفكر فيما سيفعل ليتخلص من تلك الرياح شديدة الأنانية ، لأنها مع مرور الوقت أصبحت تدرك أنه اشتد عودها ولن تعد بحاجة إليه ، فقد أخذت ما يكفيها من عزم وقوة .
وفي ليلة مظلمة قامت الريح بحمل ثابت إلى صحراء جرداء ، لا يعرف أحد لها طريق ، ثم القت به على الرمال الحارة. لاح الفجر يبشر بيوم جديد واستيقظ ثابت وناد كثيرًا على الريح دون إجابة ، فأمسك بيده حفنة من الرمال ثم نثرها فى الهواء الطلق قائلًا : الويل لك أيها الريح اللئيمة الشريرة .