الغزالي فيلسوف علم الكلام والعقل

الغزالي فيلسوف علم الكلام والعقل

الغزالي فيلسوف علم الكلام والعقل

الغزالي فيلسوف علم الكلام والعقل غمرة الصراع بين التيارات الدينية والمذاهب الفلسفية والكلامية والفقهية  الغزالي فيلسوف علم الكلام والعقل

 

الغزالي فيلسوف علم الكلام والعقل

 العصر العباسي الثالث

نشأ الفيلسوف العربي أبو حامد الغزالي. وكان لهذه النشأة، معطوفة على استعداداته الفطرية العالية، التأثير الكبير في مجرى حياته

فإذا به ينخرط، منذ المراهقة، في هذا البحر المتلاطم الأمواج، في محاولة منه للبحث عن الحقيقة التي راح يطلبها في مظانها

ويتردى في مهاوي الشك والحيرة إلى أن قذف الله بنور في صدره وأخذ بيده الإمام الصوفي يوسف النساج، فخرج من برودة الشك إلى برد اليقين

 

ومن تلاطم الأمواج إلى شط الأمان. وهو ما يعبر عنه في “المنقذ من الضلال” بالقول “منذ راهقت البلوغ قبل العشرين

 

إلى الآن، وقد أناف السن على الخمسين، أقتحم لجة هذا البحر العميق، وأخوض غمرته خوض الجسور، لا خوض الجبان الحذور

وأتوغل في كل مظلمة، وأتهجم على كل مشكلة، وأتقحم كل ورطة، وأتفحص عن عقيدة كل فرقة، وأستكشف أسرار مذهب كل طائفة، لأميز بين محق ومبطل، ومتسنن ومبتدع…” (ص 64).

 

اسمه محمد بن محمد بن أحمد الغزالي، كنيته أبو حامد، ولقبه حجة الإسلام. ولد في غزالة من أعمال طوس في خراسان، سنة 450هـ / 1059م، لأب فقير يغزل الصوف ويقوم على خدمة رجال الدين والعلم، حتى إذا ما توفي عن طفلين هما محمد وأحمد عهد بهما إلى رجل صوفي صديق، فاهتم بهما حتى نفد المال القليل الذي تركه الوالد لهما. أما الأم التي لا تذكر المصادر عنها شيئاً فتختلف الأقوال في تاريخ وفاتها، بين القول إنها توفيت وهو صغير، والقول إنها شهدت لمعان نجم ابنها في سماء العلم. وكان على الصبي أن يقوم برحلتين اثنتين، تكمل إحداهما الأخرى وتتكامل معها؛ الأولى خارجية مكانية في طلب العلم، والثانية داخلية فكرية / روحية في طلب الحقيقة، ولكل من الرحلتين محطاتها ومطباتها، على أنهما تفضيان في النهاية إلى بر الأمان.

الرحلة الخارجية

كتاب للغزالي (نيل وفرات)

تبدأ الرحلة الأولى في طوس وتنتهي فيها، وتستغرق حياةً بكاملها، وتمر بمحطات عديدة في أنحاء الدولة العباسية التي بدأ الضعف يدب في أوصالها بفعل تعدد مراكز القوى فيها والصراع فيما بينها. وكان لكل محطة دورها في نماء شخصية الغزالي وصقل تجربته؛ ففي طوس يدرس الفقه في مدرسة دينية على أحمد بن محمد الراذكاني، وفي جرجان يدرسه على أبي نصر الإسماعيلي من دون فائدة تذكر، وفي نيسابور يدرس التوحيد والفقه والجدل والمنطق على أبي المعالي الجويني، وفي هذه المحطة يداخله الشك في أخلاق العلماء والفقهاء وعلومهم، وفي الفلسفة وتياراتها، ويتحرر من القيود الفكرية، وتتبلور صفات شخصيته الكاريزمية. على أن المحطة الأبرز في هذه الرحلة هي بغداد، عاصمة الدولة، ففيها يتصل بأميرها نظام الملك السلجوقي، ويدرس في مدرسته النظامية، ويبلي البلاء الحسن في عمله، ويحظى بمكانة رفيعة عنده، وتطبق شهرته الآفاق. وفيها يتغير نمط حياته من العزوف عن متع الحياة إلى آخر يقبل فيها على الطيبات المتاحة.

وعلى الرغم من ذلك، وإذ يتردى في مهاوي الشك، ويترجح بين شهوات الدنيا ودواعي الآخرة إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، ييمم شطر البيت الحرام، المحطة الخامسة في رحلته، طلباً للمجاهدة والرياضة والتأمل والاتصال الروحي المباشر بالله، لعله يتحرر من شكه ويظفر بنعمة الهداية. ثم تكون دمشق وبيت المقدس والإسكندرية محطات أخرى في رحلته، يمارس فيها حياة الزهد والتقشف، وينصرف إلى التأمل والرياضة حتى يروض نفسه ويصفي روحه. وتشكل خراسان محطته التالية، فيعود إليها ليعيش معتزلاً متأملاً، وما يلبث أن يغادرها إلى نيسابور، المحطة ما قبل الأخيرة في رحلته، ويزاول التدريس في مدرستها النظامية. وتكون المحطة الأولى هي الأخيرة في هذه الرحلة، فيعود إلى طوس، ويتخذ قرب داره مدرسة للفقهاء وخانقاه للصوفية، ويموت فيها عن اثنتين وخمسين عاماً في عام 505هـ / 1111م.

السابق
جوخة الحارثي و سيدات القمر 
التالي
 الحضارات المختلفه في الغرب

اترك تعليقاً