رواية وفيلم ذهب مع الريح .. التاريخ عندما يكتبه المهزوم

رواية وفيلم ذهب مع الريح .. التاريخ عندما يكتبه المهزوم

رواية وفيلم ذهب مع الريح .. التاريخ عندما يكتبه المهزوم

رواية وفيلم ذهب مع الريح .. التاريخ عندما يكتبه المهزومرواية وفيلم ذهب مع الريح .. التاريخ عندما يكتبه المهزوم ’ قالوا قديمًا أن التاريخ دومًا يكتبه المنتصر، وبرغم أن هذه جملة حقيقية للغاية، إلا أن المهزوم أيضًا قد يكتب التاريخ أحيانًا. ورغم إدراكي منذ سنوات عديدة أن التاريخ عمومًا لن تعرفه بشكل حقيقي وكامل مالم تعايش الحدث بنفسك، وأن كتب التاريخ سواء كتبها المنتصر أو المهزوم فلن تقدم لك الحقيقة، إلا أن الروايات التاريخية ستظل دائمًا تستهويني.

واليوم أناقش معكم رواية تاريخية كلاسيكية شديدة الأهمية هي رواية “ذهب مع الريح” للكاتبة الأمريكية “مرجريت ميتشيل”، وهي الرواية التي تعرض لنا الوجه الآخر من الحرب الأهلية الأمريكية.

الحرب الأهلية الأمريكية وصراع الشمال والجنوب

 

قبل أن اتحدث عن الرواية فلنتعرف قليلًا على الحقبة الزمنية التي تدور فيها أحداث الرواية، حيث تقع الأحداث أثناء الحرب الأهلية الأمريكية التي استمرت خلال الفترة من 12 أبريل 1861 إلى 9 مايو 1865 وهي الحرب الأعنف في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، وبرغم أن هناك أسباب كثيرة أدت إلى وقوع هذه الحرب، إلا أن محاربة الرق والعبودية يظل هو السبب الأبرز لقيام الحرب، فبعد فوز “إبراهام لينكولن” بانتخابات الرئاسة الأمريكية أراد إلغاء الرق، ورفضت الولايات الجنوبية التي يعتمد اقتصادها بشكل كلي على العبيد إلغاء الرق.

 

 

وفي ديسمبر 1860 أعلنت ولاية “كارولينا الجنوبية” انفصالها عن الولايات المتحدة، ليتوالى بعدها انفصال باقي الولايات الجنوبية، وفي خلال أشهر قليلة أعلنت كل من فلوريدا وجورجيا وألاباما وميسيسيبي وتكساس ولويزيانا انفصالهم، وقامت الولايات السبع بتكوين اتحاد أطلقوا عليه “الولايات الكونفدرالية الأمريكية” وأعلنوا “جيفرسون ديفيس” رئيسًا لهم.

وفشلت كل محاولات الرئيس والحكومة الأمريكية لإقناع الولايات المنفصلة بالعدول عن قرارها، ليستعد كل منهم للحرب. وتبدأ الحرب الأهلية الأمريكية وتنتهي بفوز جيش الاتحاد الشمالي وعودة الولايات المنفصلة إلى الحكم الأمريكي ويتم إلغاء الرق وتحرير العبيد، وتبدأ رحلة إعمار للجنوب تمتد لأكثر من عشر سنوات ليكتمل تعافي البلاد من آثار الحرب.

عن مرجريت ميتشيل مؤلفة الرواية

مارجريت ميتشيل هي كاتبة أمريكية ولدت في مدينة اتلاتنا عاصمة الولاية الجنوبية

جورجيا عام 1900، أي بعد انتهاء الحرب الأهلية بسنوات، إلا أنها ترعرعت في عائلة ضمت العديد من الجنود الذين شاركوا في تلك الحرب الأهلية، وطيلة سنوات طفولتها ومراهقتها كانت تستمع إلى قصص اقرباءها عن تلك الحرب.

في عام 1921 عملت “ميتشيل” كمحررة صحفية لجريدة أتلانتا،

وفي عام 1925 اعتزلت الصحافة بعد زواجها من رئيس التحرير، وقد أصيبت “ميتشيل” بمرض جعلها تقضي معظم وقتها في المنزل ولا تخرج تقريبًا، فكانت تسليتها الوحيدة في المنزل هي القراءة، ونظرًا لشغفها بالحرب الأهلية كانت معظم قراءتها تدور حولها.

وفي عام 1930 بدأت في كتابة روايتها الوحيدة والتي خلدت اسمها

في عالم الأدب، رواية ذهب مع الريح التي استمرت في كتابتها حتى عام 1936، ولم تتوقع “ميتشيل” النجاح الذي لاقته الرواية التي نشرتها في يوينو من عام 1936.

تطوعت “ميتشيل” للعمل مع منظمة الصليب الأحمر في الحرب العالمية الثانية، وكانت تعمل على توصيل الإمدادات الغذائية والطبية لإحدى البلدات الفرنسية، وهو العمل الذي نالت عنه لقب “مواطنة فخرية” في فرنسا.

وفي عام 1949 وبينما تعبر “مارجريت ميتشيل” الطريق صدمتها

سيارة يقودها سائق في حالة سُكر، ليتم نقلها إلى المستشفى

حيث تتوفى بعد عدة أيام متأثرة بإصابتها، لترحل عن عالمنا عن عمر يناهز 48 عام، وتُدفن في مسقط رأسها أتلانتا.

رواية ذهب مع الريح

 

رواية ذهب مع الريح رواية ضخمة يبلغ عدد صفحاتها في النسخة الإنجليزية

حوالي 1037 صفحة، بينما كان عدد صفحات النسخة العربية حوالي 575 صفحة.

تقييم الرواية على موقع الجودريدز هو 4.28/5

أحداث الرواية

تدور أحداث الرواية في مدينة أتلانتا عاصمة الولاية الجنوبية “جورجيا”

حيث نعيش على مدار ما يقارب 15 عام رحلة بطلة الرواية “سكارليت أوهارا”

من الفتاة الحسناء المُدللة التي يحيط بها الشباب إلى السيدة القوية التي صقلتها خبرات الحرب المروعة.

“سكارليت أوهارا” هي ابنة صاحب أحد مزارع القطن في الجنوب وهي “مزرعة تارا” التي تقع في ريف أتلانتا، وتقع “سكارليت” في غرام “آشلي” الشاب المثقف الذي يهوى التاريخ والموسيقى ولكنه لا يبادلها الحب، بل ويتزوج ابنة عمه “ميلاني” التي تُصبح صديقة “سكارليت” المُقربة.

تبدأ الأحداث و”سكارليت” مجرد مراهقة في السادسة عشر

من عمرها وتنتهي وهي في الثامنة والعشرين، كانت البداية قبل

بدء الحرب الأهلية مباشرة، ومع بداية الحرب تنقلب حياتها رأسًا على عقب، فشباب البلدة يتركونها للذهاب إلى الحرب، وهي الحرب التي تجعلها تكاد تخسر كل شئ، والدتها تلقى حتفها ويجن والدها حزنًا عليها لتجد نفسها مسؤولة عن حماية مزرعتها وشقيقاتها الفتيات من جنود الشمال ثم العمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد انتهاء الحرب.

على مدار 15 عام تقريبًا نعيش آثار الحرب الأهلية على الجنوب،

نرى أمل أهل الجنوب في الفوز للحفاظ على نمط حياتهم الذي اعتادوا عليه لسنوات، ثم خيبة ومرارة الهزيمة، ومحاولة التعافي من تبعات تلك الهزيمة.

في الرواية ستقرأ الحرب من وجهة نظر مختلفة عن تلك التي أعتدناها

في أفلامهم، فمن يكتب التاريخ هذه المرة هو المهزوم وليس المنتصر، لذا الأمر مختلف فالجنوبيين ليسوا هم قساة القلوب الذين يجلدون العبيد ويحتقرونهم، والشماليين ليسوا اولئك الليبراليين الرائعين الذين يحبون العبيد ويرغبون بتحريرهم من سطوة الجنوب، في ذهب مع الريح أرم كل قناعاتك وراء ظهرك واقرأ التاريخ من وجهة نظر مغايرة.

الرواية مليئة بالتفاصيل الشيقة ولا أرغب في حرق أحداثها على

من لم يقرأها بعد لكنني أرشحها بشدة لكل من يهوى الروايات التاريخية فهي ملحمية بحق.

أهم شخصيات الرواية

سكارليت أوهارا: هي الشخصية الرئيسة في الرواية وهي شخصية

ستحتار في أمرها كثيرًا فتارة تتعاطف معها حد البكاء، وتارة تكرهها

حتى تتمنى أن تُخرجها من الرواية لتصفعها، في كل الأحوال ستنغمس

معها بشدة وتأسرك شخصيتها القوية، فهي المتمردة على عادات

الجنوب الصارمة، ترفضها وتُصر على عدم الخضوع لها وتقرر أن تفعل ما يحلو لها.

ريت بتلر: الجنوبي النصاب صاحب الشخصية الساخرة الساحرة،

والذي تكرهه كل عائلات الجنوب لاستهتاره وعدم تحمله المسئولية

وكذلك لتعاملاته مع جيش الشمال، والذي يُحب سكارليت بينما تحب هي آشلي.

آشلي: رُغم أن وجوده يكاد يكون هو الأهم في الرواية فحوله

تدور كل أحداث سكارليت، إلا أنه هو نفسه لم يكن له تأثير حقيقي

ووجود في الرواية، فقط تدور الأحداث من حوله.

ميلاني: زوجة آشلي وصديقة سكارليت المُقربة التي تدافع

عنها طوال الوقت في علاقة معقدة قد لا تتفهمها ولكن ستدرك مدى ذكاء ميلاني مع الوقت.

مامي: مربية سكارليت وهي واحدة من العبيد الذين يرفضون

فكرة إلغاء الرق، وتتبع سكارليت كظلها طوال الرواية.

عن الرواية

فازت رواية ذهب مع الريح عام 1937 بجائزة البوليتزر كما فازت

بجائزة الكتاب الوطني السنوي الثاني من جمعية المراسلين الأمريكيين،

وقد حققت نجاحًا هائلًا فور صدورها وبلغ حجم مبيعاتها إلى 50 ألف نسخة في يوم واحد.

في عام 2008 قامت مؤسسة هاريس بعمل استفتاء عن الكتب المُفضلة للأمريكيين

، فحصلت الرواية على المركز الثاني بعد الإنجيل في نتيجة الاستفتاء.

تم ترجمة الرواية لأكثر من ثلاثين لغة حول العالم، ومازالت

حتى الآن من ضمن الكتب الأكثر مبيعًا في العالم، حيث طبع منها حتى عام 2010 أكثر من 30 مليون نسخة حول العالم.

من المآخذ التي يأخذها البعض على الرواية تناولها لقضية العبيد،

حيث تعارض ميتشيل على لسان بطلتها سكارليت بشدة تحرير العبيد بل وترى أن الوضع القائم في الجنوب هو الوضع الأفضل لحياة السود في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي وجهة النظر

التي أدت إلى هجوم بعض النقاد على الرواية خاصة أنها تذكر

منظمة “كلوكس كلان – Kuklux Klan ” من وجهة نظر غير محايدة فتعرضها كمنظمة تدافع عن البيض ضد عنف السود وليست كمنظمة إرهابية عنصرية.

فيلم ذهب مع الريح

تقييم النقاد للفيلم على موقع “الطماطم الفاسدة” هو 94% ،

بينما تقييم الجمهور له على موقع “قاعدة بيانات الأفلام” هو 8.2/10.

بعد النجاح المدوي للرواية وبعد مرور عدة أشهر من صدورها قرر مدير شركة الإنتاج “سيلزنيك العالمية” وهو “ديفد أو. سيلزنيك ” شراء حقوق الرواية والعمل على تحويلها لفيلم سينمائي، ولكن الفيلم لم يرى النور إلا بعد ثلاث سنوات أي في عام 1939.

وسبب تأخر ظهور الفيلم كان بالأساس بسبب اختيار الممثلين،

حيث قام الإنتاج بعمل عشرات الاختبارات لعشرات الممثلات للوصول إلى الممثلة

التي يمكنها أداء دور “سكارليت أوهارا”، وبعد لقاءات عديدة مع العشرات ومنهم “كاثرين هيبورن”، و”بيتي ديفز”،

و”جوان كراوفورد”، و”سوزان هوارد” وغيرهم من نجمات هذا العصر، استقر رأي طاقم العمل على أن تقوم بالدور الإنجليزية “فيفيان لي”، أما دور “ريت باتلر” فكان محسومًا للنجم “كلارك جيبل”.

شارك “سيدني هوارد” في كتابة السيناريو للرواية مع المؤلفة “مارجريت ميتشيل”، بينما قام بإخراج الفيلم “فيكتور فليمنغ”.

واجهت المنتج مشكلة الإيحاءات العنصرية التي قدمتها “ميتشيل”

في الرواية وكيف يمكن عرضها في الفيلم، ثم قرر في النهاية حذفها فقام بحذف كل ما يتعلق بمنظمة “كلوكس كلان – Kuklux Klan ” العنصرية، وكذلك حذف لفظ “زنجي” الذي استخدمته “ميتشل” كثيرًا في الرواية.

عرض الفيلم للمرة الأولى في ديسمبر 1939 في ولاية جورجيا حيث تقع أحداثه، وكانت هذه الافتتاحية ضمن احتفالات دامت ثلاثة أيام، حيث اقيمت حفلات استقبال لأبطال الفيلم وعلقت الرايات والصور الخاصة به في الشوارع وأعلن حاكم جورجيا يوم الافتتاح عطلة رسمية.

الجوائز التي حصل على فيلم ذهب مع الريح

فاز فيلم ذهب مع الريح بثمان جوائز أوسكار هي “أفضل فيلم”، و” أفضل ممثلة في دور رئيسي”، و” أفضل ممثلة مساعدة”، و”أفضل مخرج”، و”أفضل تصميم إنتاج”، و”أفضل مونتاج”، و”أفضل سيناريو مقتبس”، و”أفضل تصوير سينمائي ملون”.

تم إعادة عرض الفيلم في دور السينما في الأعوام: 1947، 1954، 1961، 1967، 1971، 1989، 1998. وفي عام 1976 عَرض تلفزيونيًا لتبلغ نسبة مشاهدته 65% من إجمالي مشاهدي التلفاز.

حصل الفيلم في عام 1998على المركز الرابع في القائمة التي أعدها معهد الفيلم الأمريكي لأعظم مائة فيلم، وتم اختياره ليُحفظ في سجل الأفلام الوطنية.

رغم أن الفيلم الذي تصل مدة نسخته الكاملة إلى حوالي أربع ساعات

أقل بكثير من الرواية وهذا رأيي الشخصي، إلا أنه يظل فيلم أكثر من رائع وبالطبع يستحق أن تشاهده أكثر من مرة.

وأخيرًا إن لم تكن قد قرأت الرواية أو شاهدت الفيلم أو فعلت كلاهما بعد، فتأكد أنه قد فاتك الكثير.

السابق
ملخص رواية آن في المرتفعات الخضراء واقتباساتها الرائعة
التالي
من هو المهاتما غاندي؟

اترك تعليقاً